للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجر "ناعب" على توهُم الباء في الخبر الذي هو "مصلحين". وقريبٌ من ذلك قوله [من الرجز]:

أُمُ الحُلَيْس لَعَجوز شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحْم بعَظْمِ الرَقَبَهْ (١)

فإنه توهم "إن"، فاَدخلَ اللام في الخبر، حتى كأنه قال: "إن أمّ الحليس"، إذ كان ذلك مما يستعمل كثيرًا. وعكسُ ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (٢)، قدّر حذفَ "إنْ" عند سيبويه (٣)، ثم أدخل الفاء في خبرِ "الذين". وحاصلُه أنه غلط، فاعرفه.

[فصل [اجتماع الشرط والقسم]]

قال صاحب الكتاب: وتقول: "والله إن أتيتني لا أفعل" بالرفع، و"أنا والله إن تأتني لا آتك" بالجزم، لأن الأول لليمين والثاني للشرط.

* * *

قال الشارح: اعلم أن اليمين لا بدّ لها من جواب، لأن القسم جملة تؤكّد بها جملة أُخرى، فإذا أقسمت على المجازاة، فالقسم إنما يقع على الجواب، لأن جواب المجازاة خبرٌ يقع فيه التصديق والتكذيب، والقسمُ إنما يؤكد الإخبارَ. ألا ترى أنك لا تقول: "والله هل تقوم"، ولا "والله قم"؛ لأن ذلك ليس بخبر، فلمّا كان القسم معتمدًا به الجوابُ؛ بطل الجزم، وصار لفظه كلفظه لو كان في غير مجازاة، فتقول: "واللهِ إن أتيتني لا أفعلُ" بالرفع، لأنه جواب القسم، والشرطُ مُلْغى، كأنك قلت: و"الله لا أفعل إن أتيتَنِي"، وصار الشرط معلّقا على جواب اليمين، كما كان معلّقًا عليه الظرف من نحوِ إذا قلت: "والله لا أفعل يومَ الجمعة".

وتقول: و"اللَه إن أتيتني آتيك"، والمراد: لا آتيك، فـ "لا" تُحْذَف من القسم في الجحد للعلم بموضعها، إذ لو كان إيجابًا، لزمتْه اللامُ والنونُ، نحوُ: "والله لآتِيَنكَ". ومنه قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (٤)، أي: لا تفتؤ. ولو جزمت الشرط، وقلت: و"الله إن تأتِني لا آتيك" لم يحسن؛ لأن حرف الشرط لا يجزم ما لا جوابَ له، والجوابُ هنا للقسم. فإن تقدّم القسمَ شيء، ثم أتى بعده المجازاة، اعتمدت المجازاة


(١) تقدم بالرقم ٤٧٦.
(٢) الأحقاف: ١٣.
(٣) الكتاب ٣/ ٩٤.
(٤) يوسف:٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>