للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: ولِمَ زعمتم أن أمر الحاضر أكثرُ من أمر الغائب حتى دَعَتِ الحالِ إلى تخفيفه؟ قيل: لأنّ الغائب لبُعْده عنك إذا أردت أن تأمره، أمرتَ الحاضر أن يؤدي إليه أنك تأمره، نحوَ قولك: "يا زيدُ قُلْ لعمرو قُمْ"، ولا تحتاج في أمر الحاضر إلى مثل ذلك، فكان أكثرَ؛ لأنك تحتاج في أمر الغائب إلى أمر الحاضر، ولا يلزم من أمر الحاضر أمرُ الغائب. ومما يؤكّد عندك قوَّةَ الحاضر وغَلَبَتَه الغائبَ أنك لا تأمر الغائب بالأسماء المسمّى بها الفعلُ في الأمر، نحوِ "صَهْ"، و"مَهْ"، و"إيه"، و"إيها"، و"دُونَكَ"، "عِنْدَكَ". لا تقول: "دونه زيدًا"، ولا "عليه بكرًا"، ولهذا المعنى غلب ضميرُ الحاضر ضميرَ الغائب، فتقول: "أنت وهو فعلتَها"، ولا تقول: "فَعَلًا". وإذا صاغوا لهما اسمًا كالتثنية، صار على لفظ الحضور، نحو قولك: "أنتما فعلتما"، ولا تقول: "هما فعلا"، فاعرفه.

[فصل [أمر الفاعل المخاطب بالحرف]]

قال صاحب الكتاب: وقد جاء قليلاً أن يؤمر الفاعل على المخاطب بالحرف ومنه قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فبذلك فلتفرحوا} (١).

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر، وهو اللام، فإذا قلت: "اضربْ"، فأصله "لِتَضرِبْ"، و"قُم" أصله "لِتَقُمْ" كما تقول للغائب: "ليضربْ زيدٌ"، و"لتذهب هندُ"، غيرَ أنها حُذفت منه تخفيفًا ولدلالة الحال عليه، وقد جاءت على أصلها شاذة. فمن ذلك القراءة المعزُوة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي قوله تعالى: {فبذلك فلتفرحوا}، وقرأ بها أيضًا عثمان بن عَفانَ، وأُبَي بن كَعْب، وأنسُ بن مالك (٢)، وروي عنه في بعض غَزَواته: "لِتَأخُذُوا مَصافكُمْ" (٣)، أي: خذوا مصافكم، وإنّما أدخل اللام مراعاة للأصل.

فصل [بناءُ الأمر]

قال صاحب الكتاب: وهو مبني على الوقف عند أصحابنا البصريين, وقال الكوفيون هو مجزوم باللام مضمرة (٤) , وهذا خلف من القول.

* * *


(١) يونس:٥٨.
(٢) وقرأ بها أيضًا ابن عامر، وابن سيرين، وقتادة، وغيرهم. انظر البحر المحيط ٥/ ١٧٢؛ وتفسير الطبري ١١/ ٨٨؛ وتفسير القرطبي ٨/ ٣٥٤؛ والكشاف ٢/ ٢٤١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ٨٠.
(٣) تقدّم تخريج هذا الحديث.
(٤) انظر المسألة الثانية والسبعين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" ص ٥٢٤ - ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>