للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه؛ لأنّ المخاطَب يعرف زيدًا كما يعرفه المخاطِب، فالمخاطَب والمخاطِب في المفعول الأول سواءٌ، وإنما الفائدةُ في المفعول الثاني، كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر، ولذلك من المعنى لم يجز الاقتصار على أحد المفعولين دون الآخر، فلا تقول: "زيدًا" حتى تقول: "قائمًا"، ولا تقول: قائمًا حتى تقول: "زيدًا"؛ لأنّ الظنْ يتعلّق بالقيام ونحوه، إلّا أنك لو اقتصرت عليه، لم يُعْلَم القيام لِمَنْ هو، فاحتجتَ إلى ذكر المخْبَر عنه ليعلم أن القيام له، فصار بمنزلة قولك: "قائمٌ" في أنه لا فائدة فيه إلّا بعد تقدم المبتدأ، وبانَ بما ذكرنا تعلقُ هذه الأفعال بالمبتدأ والخبر.

وأمّا ما يتعدّي إلى ثلاثة، فهو أفعال منقولة مما كان يتعدّى إلى مفعولين، نحو: "أعلمت زيدًا عمرًا فاضلًا"، و"أرَيْتُ محمدًا خالدًا ذا حفاظ"، فـ"أعلم" منقول من "عَلِمَ"، وقد كان ممّا يتعدّي إلى مفعولين، الثاني منهما هو الأول، وصار بعد نقله بالهمزة يتعدّي إلى ثلاثة، وكذلك "أرَى". وسيأتي الكلام على هذا الفصل بأوْضَحَ من هذا بعدُ، إن شاء الله.

[فصل [تعدية الفعل اللازم]]

قال صاحب الكتاب: وللتعدية أسباب ثلاثة, وهي الهمزة, وتثقيل الحشو, وحرف الجر, تتصل ثلاثتها بغير المتعدي, فتصيره متعدياً، وبالمتعدي إلى مفعول واحد فتصيره ذا مفعولين, نحو قولك أذهبته، وفرحته، وخرجت به، وأحفرته بئرًا، وعلمته القرآن، وغصبت عليه الضيعة, وتتصل الهمزة بالمتعدي إلى اثنين, فتنقله إلى ثلاثة نحو: "أعلمت".

* * *

قال الشارح: قد ذكرنا أن الأفعال على ضربين، منها ما هو لازم للفاعل غيرُ متجاوز له إلى مفعول، ويُقال له: "غير متعد"، ومنها ما يتجاوز الفاعلَ إلى مفعول به، ويُقال له: "المتعدي". فإذا أردت أن تُعديَ ما كان لازمًا غير متعد إلى مفعول، كان ذلك بزيادة أحد هذه الأشياء الثلاثة، وهي الهمزة، وتضعيف العين، وحرف الجرّ.

فأمّا الأول، وهو زيادة الهمزة في أوّله، فنحوُ: "ذهب"، و"أذهبتُه"، و"خرج"، و"أخرجته".قال الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} (١)، وقال: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (٢). ألا ترى أنه حدث بدخول الهمزة تعَد لم يكون قبلُ؟ ولهذا البناء معانٍ أُخر تُذْكَر بَعْدُ، إِلا أن الغالب عليه التعدية.


(١) الأحقاف: ٢٠.
(٢) الأعراف: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>