للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبنيته لما لم يسمّ فاعله، صار يتعدّي إلى مفعولين. فهذا عكسُ ما تقدّم من نقلِ "فَعَلَ" إلى "أفْعَلَ" لأنك في ذلك تزيد واحدًا واحدًا، وفي هذا الباب تُنْقِصُ واحدًا واحدًا.

وقوله: "والمفاعيل سواءٌ في صحة بنائه لها" يريد أن المفاعيل متساوية في صحة بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله، وإقامةِ أي المفاعيل شئت مقام الفاعل، سواء كان مفعولًا به من نحوِ: "ضُرب زيدٌ"، و"أُعطي عمرٌو درهمًا"، و"أُعطي درهمٌ عمرًا"، و"أُعلم زيد عمرًا خيرَ الناس"، أو مصدرًا من نحو: "سِيرَ بزيدٍ سير شديدٌ" إذا لم يكن معه مفعولٌ به، أو ظرفَ زمان، أو ظرف مكان، من نحو: "سِيرَ به يومُ الجمعة"، و"سير به فرسخان"، إلّا ما استثناه، وهو المفعول الثاني في باب "علمت"، والثالث في باب "أعلمت"؛ لأنّ المفعول الثاني في باب "علمت" قد يكونَ جملة من حيث كان في الأصل خبر المبتدأ, لأنّ هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر، فالمفعولُ الأول كان مبتدأ، والمفعول الثاني كان خبزا للمبتدأ. فلذلك كل ما جاز أن يكون خبرًا جاز أن يكون مفعولاً ثانيًا، من نحو المفرد والجملة والظرف، فالمفردُ نحو: "ظننت زيدًا قائمًا"، والجملة نحو: "ظننت زيدًا قام"، و"ظننت زيدًا أبوه قائم"، والظرف "ظننت زيدًا في الدار". والفاعل لا يكون جملة، فكذلك ما وقع موقعه؛ لأنّ ما وقع موقع الفاعل يجري مجراه في جواز إضماره وتعريفه، والجملُ لا تكون إلّا نكرات، ولذلك لا يصح إضمارها، مع أنه ربما تَغير المعنى بإقامة الثاني مقام الفاعل، ألا ترى أنك إذا قلت: "ظننت زيدًا أخاك" فالشك إنما وقع في الأخوة، لا في "زيد"، كما أنك إذا قلت: "ظننت زيدًا قائمًا" فالشك إنما وقع في قيام زيد، فلو قدمت "الأخ"، وأخرت "زيدًا"، لصارت الأُخوة معلومة، والشك واقع في التسمية، فإذا كان الفعل يتغير بالتقديم، فبإسناد الفعل إليه أولى؛ لأنه يكون في الحكم مقدمًا.

وكذلك المفعول الثالث لا يُبنى الفعل له؛ لأنه المفعول الثاني في باب "علمت"، وقد تقدّم القول في المنع من إقامته مقام الفاعل، وكذلك الحال والتمييز والمفعول له والمفعول معه، لا يقام شيء منها مقام الفاعل. فأمّا الحال والتمييز، فلا يجوز أن يجعل شيء منهما في موضع الفاعل، فإذا قلت: "سير بزيد قائمًا"، و"تَصيب بَدَنُ عمرو عَرَقا"، فلا يجوز أن تُقِيم "قائمًا"، أو"عرقًا" مقام الفاعل؛ لأنهما لا يكونان إلّا نكرتين، والفاعلُ وما قام مقامه يُضْمَر كما يُظْهَر، والمضمر لا يكون إلّا معرفة.

وكذلك المفعول له، لا يجوز أن تردّه إلى ما لم يسمّ فاعله، لا يجوز "غُفر لزيد ادخارُه" على معنَى: لادّخاره, لأنك لما حذفت اللام على الاتّساع، لم يجز أن تنقله إلى مفعول به، فتتصرفَ في المَجاز تصرُفًا بعد تصرُف؛ لأنه يبطل المعنى بتباعدُه عن الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>