للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقام الفاعل، وذلك إذا قلت: "أَعطى زيدٌ محمّدًا عبدَه"، أو نحوَه مما يصحّ أخذُه، فإن هذا ونحوه ممّا يصحّ منه الأخذُ، إذا بنيته لما لم يسمّ فاعله، لم تُقِم مقام الفاعل إلّا المفعول الأول، فتقول: "أُعطي محمد عبدًا"، ولا يجوز إقامة "العبد" مقام الفاعل، فتقولَ: "أُعطي عبدٌ محمدًا"؛ لأن "العبد" يجوز أن يأخذ "محمدًا" كما يجوز لمحمّد أن يأخذ العبدَ، فيصير الآخذُ مأخوذًا. فأمّا "أُعطي درهمٌ زيدًا" فحسن؛ لأن "الدرهم" لا يأخذ زيدًا، فإن رُفع؛ فلا تتوهّم فيه أنه آخذٌ لزيد.

وما كان من الضرب الأوّل، وهو ما كان داخلاً على المبتدأ والخبر، نحوُ: "ظننت" وأخواتها؛ فإنك إذا بنيت من ذلك فعلَ ما لم يسمّ فاعله، لم تُقِم مقام الفاعل إلَّا المفعول الأوّل، نحوَ: "ظُن زيد قائمًا". ولا تقيم المفعول الثاني مقام الفاعل؛ لأن المفعول هنا قد يكون جملة من حيث كان في الأصل خبرًا لمبتدأ، نحوَ قولك: "علمتُ زيدًا أبوه قائمٌ". والفاعلُ لا يكون جملة، فكذلك ما يقع موقعه، ولأنه قد يتغير المعنى بإقامة الثاني مقام الفاعل، ألا ترى أنك إذا قلت: "ظننت زيدًا أخاك"، فالشكُّ واقعٌ في الأُخوّة لا في "زيد"، كما أنك إذا قلت: "ظننت زيدًا قائمًا"، فالشك إنما وقع في قيام زيد، فلو قدّمت "الأخ"، وأخرت "زيدًا"، لصارت الأخُوة معلومة، والشك واقعٌ في التسمية، فلذلك لا يجوز إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل لتغيّر المعنى.

وقد أجاز ابن دُرُسْتَوَيْهِ: "ظُن خارجٌ زيدًا"، فيُقيم المفعول الثاني من مفعولَيْ "ظننت" مقام الفاعل إذا كان نكرة مفردًا، وذلك لزَوال الإشكال، قال: لأن هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر، والمتبدأُ لا يكون نكرة، وكذلك المفعول الأوّل لا يكون نكرة.

وأما ما يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين فيلزمه إقامة المفعول الأوّل مقام الفاعل إذا بني لما لم يسمّ فاعله، لأنه فاعلٌ في المعنى. ألا ترى أنك إذا قلت: "علم زيدٌ عمرًا خيرَ الناس" أنّ زيدًا هو العالم بحال عمرو، ثُمّ قلت: "أعلم الله زيدًا عمرًا خيرَ الناس" فيصير زيدٌ مفعولاً؟ فإذا لم يسمّ الفاعل، وجب أن يُقام مَن هو فاعلٌ في المعنى مقام الفاعل، وهو المفعول الأوّل. ولو أقمت الثاني، لتَغير، ولم يُعْلَم أنه الفاعل في الأصل، أو المفعولُ، فلذلك لم تكن بالخيار. ولا يجوز إقامة المفعول الثالث مقام الفاعل لِما تقدم ذكره من أنه قد يكون جملة، وربما أشكل على ما وصفنا في بابِ "ظننت"، فاعرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>