للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنه قد توجّه بعض هذه الأفعال إلى معانٍ أُخر، فلا تفتقر إلى مفعولَين، وتكتفى بمفعول واحد، فمن ذلك "ظننت" وهي تُستعمل على ثلاثة أضرب: ضربٌ على بابها، وهو بإزاء ترجح أحد الدليلَين المتعارضَيْنْ على الآخر، وذلك هو الظن، وهي، إذا كانت كذلك، تدخل على المبتدأ والخبر، ومعناها متعلق بالجملهْ على ما تقدم. وقد يقوى الراجحُ في نظر المتكلّم، فيذهب بها مذهبَ اليقين، فتجري مجرى "علمت"، فتقتضي مفعولين أيضًا. من ذلك قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} (١)، فالظن ها هنا يقينٌ، لأن ذلك الحين ليس حين شك. ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

١٠٠٤ - فقلت لهم طنوا بألْفَي مُدجّجٍ ... سراتُهُم في الفارسي المسرّدِ

والمراد: اعلموا ذلك وتَيقنوه؛ لأنه أخرجه مخرج الوعيد، ولا يحصل ذلك إلّا مع اليقين. وقد يقوى الشك بالنظر إلى المرجوح، فتصير في معنى الوهم، فتقول. "ظننتُ زيدًا" في معنَى اتهمُته، أي. أتخذته مكانًا لوَهْمي، فهي لذلك تكتفي بمفعول واحد.

ومه قوله تعالى: {وما هو على الغيب بظنين} (٢)، أي: بمتهم، و"ظنينٌ" هنا بمعنَى مظنون، وفيه ضميرٌ مرفوعٌ كان مفعولًا، فأقيم مقام الفاعل.


(١) الكهف:٥٣.
١٠٠٤ - التخريج: البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٤٧؛ ولسان العرب ١٣/ ٢٧٢ (ظنن)؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٥٦؛ والمحتسب ٢/ ٣٤٢؛ ومجالس ثعلب ص ١٩٩.
اللغة: المدجّج: المسلّح كثيرًا، والقنفذ. سراة القوم: سادتهم. المسرّد: الدرع المحكم النسج.
المعني: اجعلوا هؤلاء الفرسان المسلّحين، والذين يرتدي سادتهم وقادتهم الدروع الفارسية المحكمة النسج، موضِع ظنكم.
الإعراب:"فقلت": الفاء: استئنافية، "قلت": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. "لهم": جار ومجرور متعلّقان بـ"قلت". "ظنوا": فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. "بألفي": جار ومجرور متعلّقان بـ"ظنوا"، (علامة الجرّ الياء لأنه مثنّى) "مدجّج": مضاف إليه مجرور بالكسرة "سراتهم": مبتدأ مرفوع بالضمّة، و"هم": ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. "في الفارسي": جار ومجرور متعلّقان بخبر "سراة" المحذوف، بتقدير: "متدرعون". "المسرّد": صفة "الفارسى" مجرورة بالكسرة.
وجملة "فقلت": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ظنوا": في محل نصب مفعول به (مقول القول). وجملة "سراتهم متدرّعون": في محلْ جر صفة.
والشاهد فيه قوله: "ظنوا بألفي" حيث استعمل الفعل "ظنّ" لليقين.
(٢) التكوير: ٢٤. وفي النص المصحفى: {بِضَنِينٍ} وقرأ الكسائي وابن عباس وابن محيصن ومجاهد وكثيرون غيرهم: "بضنين".
انظر: البحر المحيط ٨/ ٤٣٥؛ وتفسر الطبري ٣٠/ ٥٢؛ وتفسر القرطبي ١٩/ ٢٤٢؛ والكشاف ٤/ ٢٢٣؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٩٨، ٣٩٩؛ ومعجم القراءات القرآنية ٨/ ٨٥ - ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>