للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوّل؟ فلذلك قال: "ممّا تَغاير فيه المفعولان". وإذا كان ذلك كذلك، جاز في هذه المسألة ثلاثة أوجه: منها الاكتفاء بالفاعل مع الفعل، فتقول: "أعطيت"، و"كسوت"؛ لأنّ الفعل والفاعل جملةٌ يحسن السكوت عليها، ويحصل بها فائدةٌ للمخاطب.

وذكرُ المفعول فائدة أُخرى تزيد على إفادة الجملة، فإن ذكرت المفعولَيْن، كان تناهِيًا في البيان والفائدةِ بذكر المُعْطِي وهو الفاعل، ومن أُعطي، وهو المفعول الأوّل، وما أُعطي، وهو المفعول الثاني.

ولك أن تقتصر على أحد المفعولين، ويكون توسُطًا في البيان والفائدة. فتقَول: "أعطيت درهمًا"، فأفدت المخاطبَ جنسَ ما أعطيت من غير تعيينِ مَن أعطيت.

وأما الضرب الآخر، فإنه يتعدّي إلى مفعولين، وهو من أفعال الشكّ واليقين، وتدخل على المبتدأ والخبر، نحوُ: "ظننت زيدًا قائمًا"، و"حسبت بكرًا منطلقًا"، وقد تقدّم ذكرها قبلُ. فما كان من هذه الأفعال، فليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين فيها دون الآخر، وذلك لأنها تدخل على المبتدأ والخبر، ولا بد لكل واحد منهما من صاحبه؛ لأنّ بمجموعهما تتمّ الفائدةُ للمخاطب، فالمفعولُ الثاني معتمَدُ الفائدة، والمفعول الأوّل معتمد البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: "ظننت زيدًا قائمًا" فالشك إنما وقع في قيام زيد، لا في ذاته؟ وإنما ذكرت المفعول الأوّل لبيان مَن أُسْنِد إليه هذا الخبرُ، فلمّا كانت الفائدة مرتبطةً بهما جميعًا، لم يجز إلّا أن تذكرهما معًا، فلو قلت: "ظننت زيدًا"، وسكتّ، أو "ظننت قائمًا"، لم يجز كما جاز في "أعطيت" لِما ذكرناه. وهذا معنى قوله: "لفقد ما عقدت عليه حديثك"، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: فأما المفعولان معاً فلا عليك أن تسكت عنهما في البابين. قال الله تعالى: {وظننتم ظن السوء} (١)، وفي أمثالهم: "من يسمع يخل" (٢) , وأما قول العرب ظننت ذاك، فـ "ذاك" إشارة إلى الظن, كأنهم قالوا ظننت فاقتصروا. وتقول ظننت به إذا جعلته موضع ظنك كما تقول ظننت في الدار. فإن جعلت الباء زائدة بمنزلتها في ألقى بيده لم يجز السكوت عليه.

* * *


(١) الفتح:١٢.
(٢) ورد المثل في تمثال الأمثال ٢/ ٥٦٤؛ وجمهرة الأمثال ٢/ ٢٦٣؛ وفصل المقال ص ٤١٢؛ وكتاب الأمثال ص ٢٩٠؛ ولسان العرب ١١/ ٢٢٦, ٢٢٧ (خيل)؛ والمستقصى ٢/ ٣٦٢؛ ومجمع الأمثال ٢/ ٣٠٠.
يَخل.: يظنّ ويتهم. يقوله الرجل إذا بلغ شيئًا عن رجل فاتهمه. وقيل: معناه أن من يسمع أخبار الناس ومعائبهم، يقع في نفسه المكروه عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>