للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت للقُطاميّ، واسمه عُمَيْر بن شُيَيْم، والشاهد فيه رفع "الموقف"، وهو نكرة، ونصب "الوداع"، وهو معرفة. وحسّن ذلكَ وصفُ الموقف بالجارّ والمجرور الذي هو "مِنْكِ"، والتقدير: موقفٌ كائن منك. والنكرةُ إذا وُصفت قربت من المعرفة، وقد رُوي: "ولا يك موقفي" بالإضافة، وهذا لا نَظَرَ فيه إذ لا ضرورةَ. وضُباعَا: ترخيم ضُباعةَ اسمَ امرأة، وهي ضباعةُ بنت زُفَرَ بن الحارث الكِلابيّ. ومن ذلك قول حسّان بن ثابتٍ الأنصاريّ رضي الله عنه [من الوافر]:

كأنّ سَبِيئَةً من بَيْتِ رَأسٍ ... يكون مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ

الشاهد فيه نصب "المزاج" بأنّه خبرُ "يكون"، وهو معرفة، ورفعُ "العسل" و"الماء" بأنه اسمُها، وهو نكرة ضرورة كون القافية مرفوعةً. وهو في هذا البيت أسهل من الذي قبله من حيث كان "المزاج" مضافًا إلى ضميرِ "سبيئة"، وهي نكرة. وضميرُ النكرة لا يفيد المخاطبَ أكثرَ ممّا يفيده ظاهرُها، وإن كان المضمر معرفة من حيث يعلم المخاطب أنه عائدٌ إلى المذكور، إلا أن المذكور غير متميّز، فكانَ حكمه حكم النكرة مع أنّ "عسلًا" و"ماءً" جنسان، ولا فرقَ بين تعريف الجنس وتنكيره من حيث لم يكن لأجزائه لفظٌ يخصّه، بل يُعبَّر عنه بلفظ الجنس. فإذًا لا فَرْقَ بين قولك: "عسلٌ"، و"العسلُ"، إذا أُريد الجنس. ألا ترى أنك تقول: "عندي عسلٌ"، و"عندك درهمٌ منه"، و"عندي عسلٌ"، و"عندك كثيرٌ". وقد رواه أبو عثمان المازنيّ "يكون مزاجُها عسلًا وماءُ" برفع "المزاج" على أنه اسمُ "يكون" وهو معرفة، و"عسلًا" الخبر، وهو نكرة على شرط الباب. و"ماءٌ" مرفوع حَمْلًا على المعنى, لأنّ كلّ شيء مازَجَ شيئًا، فقد مازَجَه الآخرُ، فصار التقدير: ومازَجَهُ ماءٌ، أي: خالَطَهُ. والسبيئة: الخمر، سُمّيت بذلك لأنها تُسْبأ، أي: تُشترى. ويروى: "سُلافةً"، والسلافة من الخمر: ما جرى من غير اعتصار، واشتقاقُها من "سلف"، إذا تقدّم. وبيت رأس: موضع بعينه بالشام، وقيل: رأس: اسمُ خَمّار معروف بجُودة الخمر. ووصفها بالمزاج لأنها شأميّةٌ إن لم تُمْزَج قَتَلَتْ، وأما بيت الكتاب [من الوافر]:

فإنّك لا تُبالِي بعد حَوْلٍ ... أظَبْيٌ كان أُمَّك أم حِمارُ

فإن الشعر لخِداش بن زُهَيْر، والشاهد فيه جعلُ اسمِ "كان" نكرةً، والخبرِ معرفة؛ لأنها أفعالٌ مشبّهة بالأفعال الحقيقيّة، وفي الأفعال الحقيقية يجوز أن يكون الفاعل نكرة، والمفعول معرفة، فأُجريت هذه الأفعال مجراها في ذلك عند الاضطرار.

قال سيبويه (١): وهو ضعيف مع ما تقدّم, لأنهما لعين واحدة، فإذا عُرف أحدهما


(١) الكتاب ١/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>