للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعرَف الآخر؛ لأنه هو في المعنى، فإذا ذكرت "زيدًا"، وجعلته خبرًا، عُلم أنه صاحب الصفة. وقد ردّ أبو العباس المبرد على سيبويه الاستشهادَ بهذا البيت، وقال اسمُ "كان" هنا مضمرٌ في "كانَ" يعود إلى "الظبي"، والمضمراتُ كلّها معارفُ، و"أُمّك" الخبر، فحصل من ذلك أن الاسم والخبر معرفتان، وذلك جائز، نحوُ: "كان عبد الله أخاك".

وسيبويه كأنّه نظر إلى المعنى من كون ضمير النكرة في التحصيل، لا يزيد على ظاهره، إذ لا يُميِّز واحدًا من واحد، وإن كان من حيث علم المخاطب بأنّه يعود على المذكور معرفةً، وقد تقدّم نحو ذلك.

وقد ذهب بعضهم إلى أن "ظبيًا" في قولك: "أظبي كان اُمَّك أم حمار" مرتفع بـ "كانَ" مضمرة تُفسِّرها "كانَ" هذه الظاهرةُ؛ لأنّ الاستفهام يقتضي الفعل، فعلى هذا يكون الاسم نكرة والخبر معرفة. ولا يحسن ذلك عندي؛ لأنّ الاسم إذا وقع بعد همزة الاستفهام، وإن كان خبرُه فعلًا، فارتفاعُه بالابتداء. ولا يحسن ارتفاعُه بفعل محذوف، إلّا مع "هَلْ"، وقد تقدّم نحو ذلك.

والمعنى أنه يصف إضراب الناس عن الشَّرَف بالأنساب، وأنّه إذا حصل للإنسان الاستغناءُ بنفسه، لم يُبالِ إلى من انتسب من الأُمّهات. وضرب "الظبي" و"الحمار" مَثَلًا لفضل "الظبي"، ونقصِ "الحمار". وذكر الحولَ لذِكْر "الظبي" و"الحمار"؛ لأنهما بعد الحول يستغنيان بأنفسهما. فتَقرّر بما ذكرناه أنّ بابَ "كان" القياس فيه أن يكون اسمها معرفة والخبر نكرة، ولا يحسن عكسُ ذلك إلّا عند الاضطرار.

وقد يجوز أن يكون الاسم والخبر معرفتين، نحوَ قولك: "كان زيدٌ أخاك"، وإن شئت قلت: "كان أخوك زيدًا". أنت في ذلك مخيَّر، وعليه قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} (١)، وَ {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} (٢). وإن شئت رفعت الأوّل. وإذا نصبت الأوّل، كان "أنّ" مع الفعل في تأويلِ اسم مرفوع. وإذا رفعت الأوّل، كان في تأويل اسم منصوب؛ لأنّ "أنْ" والفعل في تأويلِ معرفة، إذ "أَنْ" والفعل في تأويلِ مصدر مضاف إلى فاعلِ ذلك الفعل، والتقديرُ: "إلّا قولهم"؛ ولذلك يحسن الابتداءُ به، فتقول: "أنْ ذهبتَ خيرٌ لك" على معنى: ذهابُك خير لك، ومثله قوله [من الطويل]:

١٠١١ - لقد عَلِمَ الأقوامُ ما كان داءها ... بثَهْلانَ إلّا الخِزْيُ ممّن يَقُودُها


(١) النمل: ٥٦.
(٢) الجاثية: ٢٥.
١٠١١ - التخريج: البيت لمغلس الأسدي في شرح أبيات سيبويه ١/ ٢٧٨؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥/ ١٨٤؛ والمحتسب ٢/ ١١٦.
اللغة: ثهلان: اسم لجبل.
المعنى: لقد عرف الجميع أن هذه الكتيبة لم يكن لانهزامها سبب سوى جبن قائدها.=

<<  <  ج: ص:  >  >>