للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّه كان فيما مضى، إذ لا مَدْحَ في ذلك؛ ولأنّك لو جعلت لها اسمًا وخبرًا، لكان التقدير: إن زيدًا كان من أفضلهم، وكنت قد قدّمت الخبر على الاسم، وليس بظرف، وذلك لا يجوز, لأنّ زيدًا يكون اسمَ "إن"، و"كانَ" وما تَعلّق بها الخبر، فلذلك قيل: إنّ "كانَ" هنا زائدة. فأما قول الشاعر [من الوافر]:

سَراةُ بني أبي بكر تسامى ... إلخ

فالشاهد فيه زيادة "كانَ". والمراد: على المسوّمة العراب.

وقال قوم: إنّ "كانَ" إذا زيدت، كانت على وجهَيْن: أحدهما: أن تُلْغَى عن العمل مع بقاء معناها. والآخر: أن تلغى عن العمل والمعنى معًا، وإنما تدخل لضرب من التأكيد. فالأوّلُ نحو قولهم: "ما كان أحسنَ زيدًا"، المراد: أن ذلك كان فيما مضى مع إلغائها عن العمل، والمعنى: ما أحسن زيدًا أمْسِ. وهي في ذلك بمنزلةِ "ظننت"، إذا أُلغيت بَطَل عملُها لا غير، نحوَ قولك: "زيد ظننتُ منطلقٌ". ألا ترى أن المراد: في ظنّي؟ وأما الثاني فنحو قوله [من الوافر]:

على كان المسوّمةِ العرابِ

ومنه قوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} (١)، والمراد: كيف نكلّم من في المهد صبيًا؟ ولو أُريد فيها معنى المُضِيّ، لم يكن لعيسى عليه السلام في ذلك معجزة؛ لأنه لا اختصاص له بهذه الحكم دون سائر الناس.

وأما قولهم: "ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة لم يوجد كان مثلُهم"، فالمراد بالكملة: الجماعة، وهو جمع "كامِلٍ"، كـ"حافِدٍ"، و"حَفَدَةٍ"، و"خائنٍ"، و"خَوَنَةٍ". والمراد: أن هذه المرأة ولدت الجماعة المشهورين بالكمال الذين لم يوجد مثلهم في الكمال والفضل، و"كانَ" زائدةٌ، وهؤلاء الكملة هم بنو زيد العَبْسيّ، وأُمّهم فاطمة بنت الخرشب الأنْماريّة، وهي إحدى المُنْجِبات، ولدت ربيعًا وعمارةَ وأنَسًا، وكل واحد منهم أبو قبيلة، وقيل لها يومًا: أيُّ بَنِيك أفضلُ؟ فقالت: ربيعُ الواقعةُ، بل عمارةُ الواهبُ، بل أنسُ الفوارس، ثَكِلتُهم إن كنتُ أدري أيّهم أفضل. وكانت رأت في مَنامها أن قائلًا قال لها: "أعشرةُ هَذَرَةٍ أحبُّ إليك أم ثلاثة كعشرةٍ؟ " فلما انتبهت، قصّت رُؤْياها على زوجها، فقال لها: إن عاوَدَك فقُولي: ثلاثةٌ كعشرة، فولدت بنين ثلاثة. وفيهم يقول قيس بن زُهَير [من الوافر]:

١٠١٤ - لَعَمْرُك ما أضاعَ بنو زِيادٍ ... ذِمارَ أبِيهِمِ فِيمَن يُضِيعُ


(١) مريم: ٢٩.
١٠١٤ - التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة والمعنى: الذمار: ما يجب الدفاع عنه كالأهل والعرض والدار.

<<  <  ج: ص:  >  >>