للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس بخبرٍ، إنما الخبر "قائمٌ" والظرف من متعلّقات الخبر الذي هو "قائمٌ". ومتى جعلته خبرًا، كان ظرفًا، ووِعاءً للاستقرار. ومتى جعلته لغوًا، كان ظرفًا للقيام. فإذا فهمت القاعدةَ، فسيبويه يختار تقديم الظرف إذا كان مستقرًا؛ لأنه مضطرٌّ إليه، وتأخيرَه إذا كان لغوًا؛ لأنه فضلة. وذلك نحو قولك: "ما كان فيها أحد خيرٌ منك"، فـ "أحدٌ" اسمُ "كان"، و"خيرٌ منك" صفته، والظرف الخبر، ولذلك قدَّمه، فإن نصبت "خيرًا" وجعلته الخبرَ، أخّرت الظرف, لأنه ملغًى، نحوَ قولك: "ما كان أحد خيرًا منك فيها" فـ "أحد" الاسم، و"خيرًا منك" الخبر، و"فيها لغوٌ" من متعلقات الخبر، وتقديم الظرف وتأخيره إذا كان مستقرًا جائز، قال سيبويه: كل عربيٌّ جيْدٌ كثيرٌ، وإنما اختار تقديمه إذا كان مستقرًا، ولا كلامَ في جواز تأخيره.

فإن قيل: فما تصنع بقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (١)، فقدّم الجارّ والمجرور مع أنه لغوٌ؟ قيل: لمّا كانت الحاجة ماسّة، والكلامُ غيرَ مستغن عنه؛ صار كأنّه خبرٌ، فقُدّم لذلك، ألا ترى أن قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} (٢) مبتدأ وخبر، وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (٣) خبرٌ ثانٍ، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} معطوف عليه. وما عُطف على الخبر، كان في حكم الخبر، فلذلك لم يكن بد من العائد في قوله: {لَّهُ}؛ لأنّ الجملة إذا وقعت خبرًا، افتقرت إلى العائد.

قال: وأهل الجفاء يقرؤون: "ولم يكن كفؤًا له أحدٌ"، فيؤخرون الجارّ والمجرور لقوّة التأخير في المُلْغَى عندهم. والمرادُ بأهل الجفاء: الأعراب الذين لم يبالوا بخطّ المُصحَف، أو لم يعلموا كيف هو. فأما قول الشاعر [من الرجز]:

لَتَقْرُبِنَّ قَرَبًا جُلْذِيَّا ... ما دام فيهنّ فَصِيلٌ حَيَّا (٤)

فإنّه قدَّم الظرف هنا، وإن لم يكن مستقرًا، وذلك أنّ "فصيل" اسمُ "ما دام"، و"حيَّا"، الخبر، و"فيهنّ"، ظرفٌ للخبر. وذلك لجواز التقديم عنده مع أنه قد تدعو الحاجةُ إليه. ولا يسوغ حذفه، إذ لو حذف، لتغير المعنى، ويصير بمعنى الأبد، كما يُقال: "ما طلعت الشمسُ"، و"ما حنّت النيبُ". فلمّا كان المعنى متعلّقًا به، صار كالمستقرّ، فقدّمه لذلك. والجُلْذِيّ: السَّيْر الشديد، ويجوز أن يكون اسم ناقته، ثمّ ناداها مُرخّمًا، فاعرفه.


(١) الإخلاص: ٤.
(٢) الإخلاص: ٢.
(٣) الإخلاص: ٣.
(٤) تقدم بالرقم ٥٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>