للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الواو أضعافُ انقلابها عن الياء، والعملُ إنما هو على الأكثر. الثاني قولهم في مصدره: "كَوْدٌ". رْعم الأصمعيّ أنه سمع من العرب من يقول: "لا أفعلُ ذلك ولا كَوْدًا"، فقولهم: "كودٌ" في المصدر دليلٌ أنه من الواو، كما أن "القَوْلَ" دليل أنّ ألفَ "قالَ" من الواو. وقولُهم في المضارع: "يكاد" دليل أن ماضيه "فَعِلَ" بالكسر، نحوَ: "خاف يخاف"، و"نام ينام". فإذا اتّصل ضمير المتكلّم أو المخاطب، قلت: "كِدْتُ" بكسر الفاء لأنهم نقلوا كسرة العين إلى الفاء؛ ليكون ذلك أمارة على تصرّفه، ودليلا على المحذوف. ألا ترى أنهم لما لم يريدوا في "لَيْسَ" التصرّف، لم يغيّروا حركة الفاء، بل أبقوها مفتوحةً على ما كانت؟ وليس في كسر الفاء دليل أنّه من الياء كما لم يكن في "خِفْتُ" و"نِمْتُ" دلالة أنه من الياء. وتقول: "كِدْنا"، فيستوي لفظ الاثنين والجمع. وحكى سيبويه (١) عن بعض العرب. "كُدْتُ" بالضمّ، كأنه جعله "فَعَلَ يَفْعَلُ" بالفتح في الماضي والمستقبل، مثلَ: "رَكَنَ يَرْكَنُ"، و"أبَى يأبَى". وفي ذلك دلالةٌ أنه من الواو أيضًا؛ لأنّ النقل إلى "فَعُلَ" بالضمّ إنما يكون من الواو لا من الياء، فاعرفه.

[فصل [الفرق بين معني "عسي" ومعني "كاد"]]

قال صاحب الكتاب: والفصل بين معنيي "عسى", و"كاد" أن عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء والطمع، تقول: "عسى الله أن يشفي مريضك"، تريد أن قرب شفائه مرجو من عند الله تعالى مطموع فيه, و"كاد", لمقاربته على سبيل الوجود والحصول، تقول:"كادت الشمس تغرب"، تريد أن قربها من الغروب قد حصل.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم الكلام على الفرق بين "عسى"، و"كاد"، بما أغنى عن إعادته.

فصل [استعمال "كاد" منفيَّة"]

قال صاحب الكتاب: وقوله عز وجل: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} (٢) على نفي مقاربة الرؤية، هو أبلغ من نفي نفس الرؤية, ونظيره قول ذي الرمة [من الطويل]:

١٠٣٦ - إذا غير الهجر المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح

* * *


(١) الكتاب ٣/ ١١ - ١٢.
(٢) النور: ٤٠.
١٠٣٦ - التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١١٩٢؛ وخزانة الأدب ٩/ ٣٠٩ - ٣١٢؛ ولسان العرب ٦/ ٩٧ (رسس).=

<<  <  ج: ص:  >  >>