للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّه أنشده شاهدًا على ما ادّعى من جواز ذلك، فإنّه رفع "الزاد" المعرّف بالألف واللام بأنّه فاعلُ "نعم"، و"زاد أبيك" هو المخصوص بالمدح، و"زادًا" تمييزٌ وتفسيرٌ. والقولُ عليه: إنّا لا نُسلِّم أنّ "زادًا" منصوب بـ"نعم"، وإنما هو مفعول به لـ"تَزَوَّدْ"، والتقدير: تزوّدْ زادًا مثلَ زاد أبيك فينا. فلمّا قدَّم صفتَه عليه، نصبها على الحال. ويجوز أن يكون مصدرًا مؤكّدًّا محذوفَ الزوائد، والمراد: تزوّد تَزَوُّدًا، وهو قول الفرّاء. ويجوز أن يكون "الزاد" تمييزا لقوله: "مثل زاد أبيك فينا"، كما يُقال: "لي مثلُه رجلاً". وعلى تقديرِ أن يكون العامل فيه "نعم"، فإنّ ذلك من ضرورة الشعر، هكذا قال أبو بكر بن السرّاج، وما ثبت للضرورة يتقدّر بقدر الضرورة، ولا يجعل قياسًا. ومثله قول الأسود بن شَعُوب [من الوافر]:

١٠٤٤ - ذَراني أصْطَبِحْ يا بَكْرُ إنّي ... رأيتُ الموتَ نَقَّبَ عن هِشامِ

تَخَيَّرَهُ ولم يَعْدِلْ سِواهُ ... ونِعْمَ المَرْءُ مِن رَجُلٍ تَهامِ


١٠٤٤ - التخريج: البيتان لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب اللَّيثي أو لبجير بن عبد الله في الدرر ٥/ ٢١١؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٢٢٧، ٤/ ١٤؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩/ ٣٩٥؛ والبيت الثاني لأبي بكر بن الأسود في شرح التصريح ١/ ٣٩٩، ٢/ ٩٦.
اللغة: ذرني: اتركني. أصطبح: أشرب الصبوح، وهو شراب الصباح. نَقَّب: هجم. هشام: هشام بن المغيرة، أحد أشراف قريش. تهاميّ: من تهامة، وهي بلاد شمال الحجاز.
المعنى: دعني أشرب شراب الصباح، فقد توفي هشام بن المغيرة، فالموتُ لم يعدل عنه، ولنعم هذا الرجل التهاميّ الكامل الصفات.
الإعراب: "ذراني": فعل أمر، والألف: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل، "أنت". والنون حرف للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به. "أصطبح": فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الأمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا"."يا": حرف نداء. "بكرُ": منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب. "إني": حرف مشبَّه بالفعل، والياء اسمه. "رأيتُ": فعل وفاعل. "الموت": مفعول به منصوب. "نقَّبَ": فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". "عن هشام": جارّ ومجرور متعلقان بـ"نقَّبَ"."تخيّره": فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو"، والهاء ضمير في محلّ نصب مفعول به. "ولم": الواو حرف عطف، "لم": حرف جزم. "يعدل": فعل مضارع مجزوم بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". "سواه": مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة، وهو مضاف، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. "ونعم": الواو: حرف استئناف، "نعم": فعل ماضٍ جامد لإنشاء المدح. "المرء": فاعل مرفوع. "من": حرف جرّ زائد. "رجلٍ": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنّه تمييز. "تهام": نعت "رجل" مجرور.
وجملة "ذراني": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة "أصطبح": في محلّ نصب حال.
وجملة "إني رأيت الموت": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "نقَّب": في محلّ نصب نعتا "الموت". وجملة: "تخيّره ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة: "لم يعدل ... " معطوفة على الجملة السابقة. وجملة: "نعم المرء ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "من رجل"، فهو كقوله: "رجلًا"؛ لأنّ "مِنْ" تدخل على التمييز. وهو من ضرورة الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>