للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنسه، لم يصح أن يكون تفسيرًا له مع أن المراد بـ "نعم الرجلُ زيدٌ" أنه محمودٌ في جنسه. وإذا قلت: "بئس الرجلُ خالدٌ"، كان المراد به أنه مذموم في جنسه. وإذا كان كذلك، لم يكن بد من حذف المضاف في قوله: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} (١)، أي: مَثَلُ القوم، فحذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، وذلك أن "ساءَ" ها هنا بمعنى "بئس"، وفيها ضميرٌ فسّره "مثلاً"، فيلزم أن يكون المخصوصُ بالذم من الأمثال، وليس القوم بمَثَل، فوجب أن يكون هناك مضاف محذوف. والتقديُر: ساء مثلاً مثلُ القوم، فيكون المخصوصُ من جنس المرفوع.

فأما قوله تعالى: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} (٢) فيجوز أن يكون "الذين" هو المخصوص بالذمّ، وأن يكون في موضع رفع. ولا بدّ من تقديرِ مضاف محذوف، معناه: مَثَلُ الذين كذّبوا، ثمّ حذف المضاف، كما تقدّم في الآية المتقدّمة. ويجوز أن يكون "الذين" صفةً للقوم، ويكون في موضعِ خفض، والمخصوصُ محذوف تقديره: بئس مَثَلُ المُكذبين مَثَلُهم.

فصل [أحكام "حبَّذا"]

قال صاحب الكتاب: و"حبذا" مما يناسب هذا الباب. ومعنى "حب": صار محبوباً جداً, وفيه لغتان: فتح الحاء وضمها. وعليها روي قوله [من الطويل]:

وحُبَّ بها مقتولة حين تقتل (٣)

وأصله حبب، وهو مسندٌ إلى اسم الإشارة، إلا أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال التي لا تغير، فلم يضم أول الفعل، ولا وضع موضع ذا غيره من أسماء الإشارة، بل التزمت فيهما طريقة واحدة.

* * *

قال الشارح: اعلم أن "حَبَّذَا" تُقارِب في المعنى "نِعْمَ"؛ لأنها للمدح كما أن "نعم" كذلك، إلَّا أنَّ "حبّذَا" تفضُلها بأنّ فيها تقريبًا للمذكور من القَلْب، وليس كذلك "نعم"، و"حبّذا"، مركّبةٌ من فعلٍ وفاعلٍ، فالفعلُ "حَبَّ" وهو من المضاعف الذي عينه ولامه من واد واحد، وفيه لغتان: "حَبَبْتُ"، و"أحْبَبْتُ". و"أحببت" أكثرُ في الاستعمال، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (٤)، فهذا مِن "أحَبَّ". وقال سبحانه: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} (٥). وقال عليه السلام: "مَن أحبّ لِقاءَ الله أحبّ اللهُ


(١) الأعراف: ١٧٧.
(٢) الجمعة: ٥.
(٣) تقدم بالرقم ١٠٤١.
(٤) آل عمران: ٣١.
(٥) آل عمران: ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>