للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَّ في غيره، لم يحسن هو، فكأن ذلك الشيء مَثَلًا عينُه أو وجهُه، وليسا غيره. فلذلك جاز أن يكون مفعولًا في ذلك اللفظ، وفاعلًا في هذا اللفظ، إذا المعنى واحدٌ.

فإن قيل: فما وجه استعمال التعجّب على لفظ الأمر وإدخالِ الباء معه؟ قيل: أرادوا بذلك التوسّعَ في العبارة، والمبالغةَ في المعنى. أمّا التوسّع فظاهرٌ؛ لأن تأدِيَةَ المعنى بلفظَين أوسعُ من قصره على لفظ واحد. وأمّا دخول الباء؛ فلِما ذكرناه من إرادة الدلالة على التعجّب، إذ لو أُريد الأمرُ، لكان كسائر الاْفعال، ويتعدّى بما يتعدّى تلك الأفعالُ، فكنت تقول في "أحْسِنْ بزيد": "أحسن إلى زيد"؛ لأنك تقول: "أحسنتُ إلى زيد"، ولا تقول: "أحسنت بزيد".

فأمّا قول صاحب الكتاب: "وفي هذا ضربٌ من التعسف وعندي أن أسهلَ مَأْخَذًا منه أن يُقال إِنّه أمرٌ لكل أحد بأن يجعل زيدًا كريمًا" إلى آخر الفصل، فإن المذهب الأول مذهب سيبويه والجماعةِ. وهذا الذي زعم أنه أسهلُ مأخذًا، وعزاه إلى نفسه، فهو شيٌ يُحْكَى عن أبي إسحاق الزجاج. وذكر في الباء وجهَين:

أحدهما: أن تكون مزيدة للتأكيد على حدّها في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (١)، والمراد: أيْدِيَكم.

والوجه الثاني: أن تكون للتعدية، ويكون معنى "أكرم بزيد": صَيِّرِ الكَرَمَ في زيد، كما يُقال: "نزلتُ بالجبل"، أي: في الجبل. وذلك بعيدٌ من الصواب، وذلك لأُمور: منها أنه وإن كان بلفظ الأمر، فليس بأمرٍ، وإنما هو خبرٌ محتمِلٌ للصدق والكذب، فيصحّ أن يُقال في جوابه: "صدقتَ"، أو"كذبتَ"؛ لأنه في معنى "حسُن زيدٌ جدًّا". ومنها أنه لو كان أمرًا، لكان فيه ضميرُ المأمور، فكان يلزم تثنيتُه وجمعُه وتأنيثُه على حسب أحوال المخاطَبين. ومنها أنه كان يصح أن يُجاب بالفاء كما يصح ذلك في كل أمر، نحوَ: "أكْرِمْ بعمرو فيشكرَك"، و"أجمِلْ بخالدٍ فيُعْطِيَك" على حد قولك: "أعْطِني فأشكرَك". فلمّا لم يجز شيءٌ من ذلك، دل على ما ذكرناه، فاعرفه.

[فصل ["ما" التعجبية]]

قال صاحب الكتاب: واختلفوا في "ما", فهي عند سيبويه (٢) غير موصولة ولا موصوفة، وهي مبتدأ ما بعد خبره, وعند الأخفش موصولة, صلتها ما بعدها, وهي مبتدأ محذوف الخبر, وعند بعضهم فيها معنى الاستفهام, كأنه قيل: "أي شيء أكرمه؟ "

* * *


(١) البقرة: ١٩٥.
(٢) انظر الكتاب ١/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>