للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحوِ: "كارَمَنِي، فكَرَمْته، أكْرُمه"، و"خاصمني، فخصمته، أخصُمه"، و"هاجاني، فهجوته، أهجوه". وإنما كان كذلك؛ لأن "فَعَلَ" أخفّ الأبنية، ولأن الكسر يغلب عليه الأدواءُ والأحزان، والمغالبةُ موضوعة للفَلْج والظَّفَرِ، فتَحاموه لذلك. ولم يُبْنَ على "فَعُلَ" بالضمّ؛ لأنه بناءٌ لازمٌ، لا يكون منه "فعلتُه"، وفعلُ المغالبة متعدّ، فلم يأتِ عليه. ومضارعُه مضمومٌ, لأنه يجري مجرى الغرائز، إذ كان موضوعًا للغالب، فصار كالخصلة له، إلَّا أن يكون لامه أو عينه ياءً، أو فاؤُه واوًا، فإنه يلزم مضارعَه الكسرُ، نحوَ: "خايَرَني، فخِرْته، أخِيرُه"، و"راماني، فَرَمَيْتُه، أرْمِيه"، و"واعدني، فوعدتُه، أعِدُه"، و"واحلني، فوحلتُه، أحِلُه"؛ لأن الكسر له في الوصل قياسًا مستمرًّا لا ينكسر، فجاؤوا به هنا على مِنْهاجه، وليس كذلك ما تقدّم من الأبنية؛ لأنّ مضارعها مختلف.

وحُكي عن الكسائيّ أنه استثنى ما فيه أحدُ حروف الحلق، وأنْه يُقال فيه: "أفْعَلُه". والحقُّ غيره؛ لأنّ ما فيه حرفُ الحلق قد لا يلزم طريقةً واحدةً، ويأتي على الأصل، نحوَ: "بَرَأ، يبرؤ"، و"هَنَأ، يَهْنَأ"، و"نَهَقَ، يَنْهَق"، و"نَزَعَ، يَنْزع" على ما سيأتي بيانه بعدُ، وليس كما ذكرناه ممْا يلزم فيه الكسر لا غير.

وقد حكى أبو زيد: "شاعرتُه، أشعُره"، أي: غلبته في الشعْر، و"فاخرته، أفخُره" بالضمّ. وهذا نصٌّ على أنه لا يلزم فيه الفتح، ولا يكون ذلك في كل شيء. ألا ترى أنّه لا يُقال: "نازعني، فنزعته"؟ كأنّهم استَغْنَوا عنه بـ "غلبته"، كما استغنوا عن "ودعته"، "ووذرته"، بـ "تركته"، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: و"فَعِلَ" يكثر فيه الأعراض من العلل والأحزان وأضدادها, كـ "سقم" و"مرض" و"حزن" و"فرح" و"جذل" و"أشر" والألوان كـ "أدم" و"شهب" و"سود". و"فعُل", للخصال التي تكون في الأشياء, كحسُن وقبُح وصغُر وكبُر.

* * *

قال الشارح: وأمّا "فَعِلَ" بالكسر، فقد استُعمل أيضًا في معانٍ متّسعةٍ، نحوِ: "شَرِبَ الدَّواءَ"، و"سمِع الحديثَ"، و"حَذِرَ العدوّ"، و"عَلِمَ العِلْمَ"، و"رَحِمَ المسكينَ". ويكثر فيما كان داءً، نحوَ: "مرِض"، و"سقِم"، و"حبِط البعيرُ، وحبِج"، وهو أن ينتفخ بطنُه من أكلِ العَرْفَج. وقالوا: "غرِث"، و"عطِش"، و"ظمِىء"؛ لأنها أدواءُ. وقالوا: "فزِع"، و"فرِق"، و"وجِل"؛ لأنه داءٌ وصل إلى فؤاده. وقالوا: "حزِن"، و"غضِب"، و"حرِد"، و"سخِط"؛ لأنها أحزان وأدواء في القلب، وقالوا فيما يُضادّ ذلك: "فرِح"، و"بطِر"، و"أشِر"، و"جذِل".

وقد جاء في الألوان، قالوا: "أدِم الرجلُ أُدْمَةَ"، وهي الشُّقْرة، و"شهِب الشيءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>