للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: قد تزاد الباء في الكلام، والمراد بقولنا: "تزاد" أنها تجيء توكيدًا، ولم تُحْدِث معنى من المعاني المذكورة، كما أن "ما" في قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} (١)، و {عَمَّا قليل} (٢) و {مِنْ خَطَايَاهُمْ} (٣) كذلك. وتقديره: فبنَقْضهم، وعن قليلِ، ومن خطاياهم. وجملةُ الأمران الباء قد زيدت في مواضع مخصوصة، وذلك مع المبتدأ والخبر، ومع الفاعل والمفعول، وفي خبرِ "لَيْسَ"، و"ما" الحجازيةِ. فأمّا زيادتها مع المبتدأ، ففي موضع واحد، وهو قولهم: "بحَسْبك أن تفعل الخيرَ"، معناه: حَسْبُك فَعْلُ الخير، فالجارُ والمجرور في موضعِ رفع بالابتداء. قال الشاعر [من المتقارب]:

بحَسْبِك في القَوْم أن يَعْلَموا ... بأنَّكَ فيهم غَنِيّ مُضِرْ (٤)

فقولك: "بحسبك" في موضع رفع بالابتداء، و"أن يعلموا" خبره، كأنّه قال: "حسبُك عِلْمُهم". ولا يُعْلَم مبتدأ دخل عليه حرفُ جر في الإيجاب غيرُ هذا الحرف؛ فأمّا في غير الإيجاب، فقد جاء غير الباء. قالوا: "هل من رجل في الدار؟ " و"هل لك من حاجة؟ "، قال الله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (٥)؟ فالجارّ والمجرور في موضع رفع بالابتداء.

وأمّا زيادتها مع الخبر، ففي موضع واحد أيضًا في قول أبي الحسن الأخفش، وهو قوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} (٦). زعم أن المعنى: جزاءُ سيّئة مِثْلُها، ودلّ على ذلك قوله تعالى في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (٧). ولا يبعد ذلك؛ لأن ما يدخل على المبتدأ قد يدخل على الخبر، نحوَ لام الابتداء في قول بعضهم: "إن زيدًا وَجْهُه لَحسنٌ". وقد جاء في الشعر. قال [من الرجز]:

أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوز شَهْرَبَهْ (٨)

وزيادة الباء في الخبر أقوى قياسًا من زيادتها في المبتدأ نفسه، وذلك أن خبر المبتدأ يُشْبِه الفاعلَ من حيث كان مستقلاً بالمبتدأ، كما كان الفاعل مستقلاً بالفعل، والباء تزاد مع الفاعل على ما سنذكر، وكذلك يجوز دخولها على الخبر.

وأمّا زيادتها مع الفاعل، ففي موضعَيْن: أحدهما: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (٩)، والآخر: "أحسِنْ به" في التعجّب. قال الله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}، وقال الشاعر [من الطويل]:

كفى الشَّيبُ والإِسلامُ للمَرْء نَاهِيَا (١٠)


(١) النساء: ١٥٥.
(٢) المؤمنون: ٤٠.
(٣) العنكبوت: ١٢.
(٤) تقدم بالرقم ٣٤٠.
(٥) فاطر:٣.
(٦) يونس: ٢٧.
(٧) الشورى: ٤٠.
(٨) تقدم بالرقم ٤٧٦.
(٩) الرعد: ٤٣، والإسراء: ٩٦.
(١٠) تقدم بالرقم ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>