للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير قرينة، جاز أن تكون الناصبة للفعل، وجاز أن تكون الجارّة، ويكون النصبُ بتقديرِ "أنْ"، كما يكون كذلك مع اللام. قال ابن السرّاج: ويجوز أن تكون "كَيْ" حرفًا ناصبًا على كل حال؛ وأمّا دخولها على "ما" فلشَبَهها باللام لتقارُب معنيَيْهما، فاعرفه.

[فصل [حذف حروف الجر]]

قال صاحب الكتاب: وتحذف حروف الجر, فيتعدى الفعل بنفسه, كقوله تعالى: {واختار لموسى قومه سبعين رجلاً} (١) , وقوله [من الطويل]:

منا الذي اختير الرجال سماحة ... [وجوداً إذا هبَّ الرياح الزعازع] (٢)

وقوله [من البسيط]:

أمرتك الخير فافعل ما أُمرت به ... [فقد تركتك ذا مال وذا نشب] (٣)

وتقول: "أستغفر الله ذنبي"، ومنه "دخلت الدار". وتحذفت مع "أنّ", و"إنْ", كثيراً مستمراً.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِن الأفعال المقتضية للمفعول على ضربين: فعلٌ يصل إلى مفعوله بنفسه، نحوُ: "ضربتُ زيدًا"، فالفعلُ هنا أفضى بنفسه بعد الفاعل إلى المفعول الذي هو "زيدٌ" فنصبه؛ لأنّ في الفعل قوّةً أفضت إلى مباشَرة الاسم. وفعلٌ ضعُف عن تجاوُز الفاعل إلى المفعول، فاحتاج إلى ما يستعين به على تناوُله والوصول إليه، وذلك نحوُ: "مررت"، و"عجبت"، و"ذهبت". لو قُلْتَ: "عجبت زيدًا"، و"مررت جعفرًا"؛ لم يجز ذلك؛ لضعف هذه الأفعال في العُرْف والاستعمال عن الإفضاء إلى هذه الأسماء. فلمّا ضعُفت، اقتضى القياسُ تقويتَها لتصل إلى ما تقتضيه من المفاعيل، فرفدوها بالحروف، وجعلوها موصِلةً لها إليها، فقالوا: "مررت بزيد"، و"عجبت من خالد"، و"ذهبت إلى محمّد".

وخصّ كلُّ قبيل من هذه الأفعال بقبيل من هذه الحروف. هذا هو القياس، إلَّا إنهم قد يحذفون هذه الحروف في بعض الاستعمال تخفيفًا في بعض كلامهم، فيصل الفعلُ بنفسه، فيعمل. قالوا من ذلك: "اخترت الرجالَ زيدًا"، و"استغفرت اللهَ ذنبًا"، و"أمرت زيدًا الخيرَ". قال الله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (٤)، فقولهم: "اخترت الرجالَ زيدًا"، أصله: "من الرجال"؛ لأنّ "اختار" فعل يتعدّى إلى مفعول واحد بغير حرف


(١) الأعراف: ١٥٥.
(٢) تقدم بالرقم ٨٢٤.
(٣) تقدم بالرقم ٢٥٣.
(٤) الأعراف: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>