للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تمامه؛ لأن قوله: "إنّي أحمدُ اللهَ" جملةٌ محكيّةٌ بالقول، فهي في موضعِ نصب به، فيكون من تمام الكلام الأوّل، والخبرُ محذوف، والتقدير: "أوَّلُ قولي كذا ثابتٌ، أو حاضرٌ". والقول يعني المقُول، والمراد: أوّلُ مَقالي.

ومن ذلك: "مررت به فإأذَا أنَّه عبدٌ" بالفتح والكسر. فإذا فتحت، أردت المصدر، كأنّك قلت: "فإذا العبوديّةُ واللُّؤْمُ"، كأنّه رأى نَوَى العبد. وإذا كسر، كان قد رآه نفسَه عبدًا، ويكون بمعنى الجملة، كأنّه قال: فإذا هو عبدٌ. قال الشاعر [من الطويل]:

وكنت أرى زيدًا ... إلخ

روى هذا البيت سيبويه (١) بالفتح والكسر على ما تقدّم، فالكسرُ على نيّة الجملة من المبتدأ والخبر، لأنّ "إذا" هذه يقع بعدها المبتدأ والخبر، والتقدير: فإذا هو عبدُ القفا.

فإن قيل: فقد قرّرتم أنّ "إنَّ" إنما تُكْسَر في كلّ موضع يتعاقب فيه الاسم والفعل، وههنا لا يقع الفعل، إنما يقع الاسم المبتدأ لا غير؛ قيل "إذا" ظرفُ مكان في الأصل دخله معنى المفاجأة، فالدليلُ يقتضي إضافتها إلى الجملة من المبتدأ والخبر، أو من الفعل والفاعل، كما كانت "حَيْثُ" كذلك، إلَّا إنه لمّا دخلها معنى المفاجأة؛ مُنعت من وقوع الفعل بعدها، وذلك أمرٌ عارضٌ. فإذا وقعت "أنَّ"، كانت المكسورة عملًا بالأصل.

وأمّا الفتح في "أنَّ" بعد "إذا" في اليت، فعلى تأويل المصدر المبتدأ، والخبرُ عنه "إذا"، كما تقول: "أمّا في القِتال فتِلْقائي العبوديّةُ". ويجوز أن يكون في موضع المبتدأ، والخبرُ محذوفٌ، والتقدير: فإذا العبوديّة شأنُه. ويكون "إذَا" حرفا دالا على معنى المفاجأة. وإذا كانت كذلك؛ لم تكن خبرًا. ومعنى قوله: "عبد القفا واللهازم" يعني: إذا نظرت إلى قفاه ولهازمه؛ تَبيّنتَ عبوديّته ولؤمَه؛ لأنهما عُضْوان يصونهما الأحرارُ، ويبذُلهما العبيدُ والأرذالُ، فهما موضع الضَّفْع واللَّكْز. واللِّهْزِمَةُ: مَضِيغَةٌ في أصل الحَنَك الأسفل.

وقوله: "تكسر لتُوفّر على ما بعد "إذا" ما يقتضيه من الجملة". يريد أنّ "إذا" المكانيّة تكون على ضربين:

أحدهما: أن تكون ظرفًا مبهمًا كـ "حَيْثُ"، إلَّا أنّ "حَيْثُ" يقع بعدها الجملة من المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، وهذه لا يقع بعدها إلَّا المبتدأ والخبر لمكان المفاجأة، إذ لا تصحّ مفاجأةُ الأفعال.

والثاني: أن تكون حرف ابتداء معناه المفاجأة، فيقع بعدها أيضًا المبتدأ والخبر.


(١) الكتاب ٣/ ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>