للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو قلت: "إنَّ زيدًا وعمرو منطلقٌ" على التقديم والتأخير، جاز، كأنّك قلت: "إنّ زيدًا منطلقٌ وعمرٌو". قال ضابِىءُ بن الحارث البُرْجُميّ [من الطويل]:

فمَن يَكُ أمْسَى في المدينة رَحْلُه ... فإنّي وقَيّارٌ بها لَغَرِيبُ (١)

والمراد: فإنّي لَغريبٌ بها، وقيّارٌ أيضًا، فإنّك لو عطفت على الموضع قبل التمام، لاستحال، إذ الخبر قد يكون خبرًا عن منصوبٍ ومرفوعٍ قد عمل فيهما عاملان مختلفان، فيجيء من ذلك أن يعمل في الخبر عاملان مختلفان، وهذا محالٌ. وقد أجاز ذلك الكوفيون (٢). فأمّا أبو الحسن من أصحابنا والكسائيّ، فأجازاه مطلقًا على كلّ حال، سواءٌ كان يظهر فيه عملُ العامل، أو لم يظهر، نحوَ قولك: "إنّ زيدًا وعمرٌو قائمان"، و"إنّك وبكرٌ منطلقان".

وذهب الفرّاء من الكوفيين إلى أن ذلك إنما يجوز إذا لم يظهر عملٌ، نحوَ قولك: "إنّك وزيدٌ ذاهبان"، واحتجّوا لذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٣)، فـ "الصابئون" رفعٌ بالعطف على موضع "إنَّ" ولم يأت بالخبر الذي هو"مَن آمن بالله". وروي عن بعض العرب: "إنّك وزيدٌ ذاهبان" وهذا نصٌّ على ما ذهبوا إليه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وزعم سيبويه (٤) أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون: "إنهم أجمعون ذاهبون", و"إنك وزيد ذاهبان". وذلك أن معناه معنى الابتداء، فيرى أنه قال "هم", كما قال [من الطويل]:

ولا سابق شيئاً [إذا كان جائيا] (٥)

قال: وأما قوله تعالى: {وَالصَّابِئُونَ} (٦). فعلى التقديم والتأخير, كأنه ابتدأ {وَالصَّابِئُونَ} , بعد ما مضى الخبر. وأنشد [من الوافر]:

١١١٠ - وإلا فاعلموا أنّا وأنتم ... بُغاةٌ ما بقينا في شقاق

* * *


(١) تقدم بالرقم ١٣٣.
(٢) انظر المسألة الثالثة والعشرين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ١٨٥ - ١٩٥.
(٣) المائدة: ٦٩.
(٤) الكتاب: ٢/ ١٥٥.
(٥) تقدم بالرقم ٢٦٨.
(٦) من الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)} [المائدة: ٦٩].
١١١٠ - التخريج: البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص ١٦٥؛ وتخليص الشواهد ص ٣٧٣؛ وحزانة الأدب ١٠/ ٢٩٣، ٢٩٧؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ١٤؛ وشرح التصريح ١/ ٢٢٨؛ والكتاب =

<<  <  ج: ص:  >  >>