للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي للإيجاب، وبالإعمال يحصل الفرقُ، وإن شئت أَدخلت اللام مع الإعمال، فقلت: "إنْ زيدًا لقائمٌ".

وأهل الكوفة (١) يذهبون إلى جواز إعمال "إن" المخفّفة، ويرون أنها في قولهم: "إنْ زيدًا لَقائمٌ" بمعنى النفي، و"إنْ" واللام بمعنى "إلَّا"، فالمعنى: ما زيدٌ إلَّا قائمٌ. والصواب مذهب البصريين؛ لأنه وإن ساعَدَهم المعنى، فإنه لا عَهْدَ لنا باللام تكون بمعنَى "إلَّا". ولو ساغ ذلك ههنا، لجاز أن يُقال: "قام القوم لَزيدًا" على معنى: "إلَّا زيدًا". وذلك غير صحيح، فاللام هنا المؤكدة دخلت لمعنى التأكيد، ولزمتْ للفصل بينها وبين "إنْ" التي للجحد. والذي يدلّ على ذلك أنها تدخل مع الإعمال في نحو "إنْ زيدًا لَقائمٌ"، وإن لم يكن ثمّ لبسٌ.

وأمّا المفتوحة، فإذا خُفّفت، لم تُلْغَ عن العمل بالكلّيّة، ولا تصير بالتخفيف حرفَ ابتداء، إنما ذلك في المكسورة، بل يكون فيها ضمير الشأن والحديثِ، نحوَ قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (٢)، وقوله: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (٣)، والمراد: أنّهُ، أي: أنّ الأمر والشأن، وهو الجيّد الكثير، فإن لم يكن فيه ضميرٌ، أعملته فيما بعده، نحوَ قوله [من الطويل]:

فلو أنك في يوم الرخاء ... إلخ

فـ "الكاف" في موضعِ نصبِ اسمِ "أنْ". قال سيبويه (٤): وليس هذا بالجيّد ولا بالكثير كالمكسورة، يعني إعمالها ظاهرًا فيما بعدها.

وإنما أجازوا في "أن" الإضمارَ من قبل أن اتصال المكسورة باسمها وخبرها اتّصالٌ واحدٌ، واتّصال المفتوحة بما بعدها اتّصالان؛ لأن أحدهما اتّصال العامل بالمعمول، والآخر اتّصال الصلة بالموصول. ألا ترى أن ما بعد المفتوحة صلةٌ لها، فلمّا قوي مع الفتح اتّصالُ "أنّ" بما بعدها؛ لم يكن بدّ من اسم مقدر محذوف تعمل فيه. ولمّا ضعُف اتّصال المكسورة بما بعدها؛ جاز إذا خُفِّفت أن تُفارِق العملَ، وتخلُص حرفَ ابتداء. ووجهٌ ثانٍ أنها إذا كانت مفتوحة، لم تقع أوّلًا في موضع الابتداء، فيُجْعَلَ ما يليها مبتدأً، وتُلْغَى هي كـ "إنْ" إذا كسرتها، وخفّفتَ؛ لأن المكسورة تدخل على المبتدأ، وتؤكّده، ومعنى الجملة باقٍ. فإذا أُلغيت، ولم تعمل فيما بعدها، فالمبتدأُ واقعٌ موقعَه، وليس


(١) انظر المسألة الرابعة والعشرين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ١٩٥ - ٢٠٨.
(٢) طه: ٨٩.
(٣) المزمل: ٢٠.
(٤) في الكتاب ٣/ ٧٤، وفيه: "وليس هذا بقويّ في الكلام كقوة "أنّ لا يقولُ"؛ لأن "لا" عِوَض من ذهاب العلامة".

<<  <  ج: ص:  >  >>