للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دلالتها على العطف. والذي يدلّ على ذلك أنّا لا نجدها تعرى من معنى الجمع. وقد تعرى من معنى العطف، ألا ترى أن واو المفعول معه في قولك: "استوى الماءُ والخشبةَ"، و"جاء البَرْدُ والطَيالسةَ" قد نجدها تفيد معنى الجمع؛ لأنها نائبةٌ عن "مَعَ" الموضوعة لمعنى الاجتماع؟ فكذلك واو القسم ليست عارية من معنى الجمع؛ لأنها نائبةٌ عن الباء. ومعنى الباء الإلصاق، والشيءُ إذا لاصق الشيءَ، فقد جاء معه، وكذلك واو الحال في قولك: "جاء زيدٌ وَيدُه على رأسه"، ونحوِ قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (١) غيرُ عارية من معنى الجمع. ألا ترى أن الحال مصاحبةٌ لذي الحال؟ فقد أفادت معنى الاجتماع، ولا نعلم أحدًا يوثَق بعربيَّته يذهب إلى أن الواو تفيد الترتيب. والذي يؤيّد ما قلنا أن الواو في العطف نظيرُ التثنية والجمع: إذا اختلفت الأسماء احتيج إلى الواو، وإذا اتّفقت جرت على التثنية والجمع، تقول: "جاءني زيدٌ وعمرٌو" لتعذُّر التثنية، فإذا اتّفقت قلت: "جاءني الزيدان والعمران". والواو الأصل، وإنّما زادوا على الاسم الأوّل زيادةً تدل على التثنية، وكان ذلك أوجز وأخصر من أن تذكر الاسمَيْن، وتعطف أحدهما على الآخر، فإذا اختلف الاسمان؛ لم تمكن التثنية، فاضطُرّوا إلى العطف بالواو. والذي يدلّ على ذلك أنّ الشاعر إذا اضطُرّ عاوَدَ الأصلَ، فقال [من الرجز]:

كأنّ بين فَكِّها والفَكِّ ... فَأرَةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ في سُكِّ (٢)

وممّا يدلّ على ذلك أيضًا أنّها تستعمل في مواضعَ لا يسوغ فيها الترتيب، نحوِ قولك: "اختصم زيدٌ وعمرٌو"، و"تَقاتل بكرٌ وخالدٌ"، فالترتيب ههنا ممتنعٌ؟ لأن الخصام والقتال لا يكون من واحد، ولذلك لا يقع ههنا من حروف العطف إلَّا الواو، ولا يجوز "اختصم زيدٌ فعمرٌو"، ولا "تقاتل بكرٌ فخالدٌ"؛ لأنك إذا أتيت بالفاء، أو"ثُمَّ"، فقد اقتصرت على الاسم الأوّل؛ لأن الفاء توجب المُهْلَةَ بين الأوّل والثاني. وهذه الأفعالُ إنما تقع من الاثنين معًا، ومن ذلك قولهم: "سِيّان قيامُك وقعودُك"؛ فقولك: "سيّان" أي: مثلان؛ لأن الشيء الممثَّل والمُماثِل لا يكونْ من واحد؛ لأن الشيء لا يماثل نفسَه، فأما قول الشاعر [من البسيط]:

وكان سِيّانِ ألّا يَسْرَحُوا نَعَمًا ... أو يَسْرَحُوه بها واغْبَرَّت السُّوحُ (٣)

وقول الآخر [من الطويل]:

١١٢٩ - فسِيّانِ حَرْبٌ أو تَبُوءُ بِمثلِهِ ... وقد يَقْبَلُ الضَّيْمَ الذليلُ المُسَيَّرُ


(١) آل عمران: ١٥٤.
(٢) تقدم بالرقم ٦٧٦.
(٣) تقدم بالرقم ٣٠٩.
١١٢٩ - التخريج: البيت بلا نسبة في لسان العرب ١٤/ ٤١٢ (سوا).
اللغة والمعنى: تبوء: تجازى، تُقتل بقتيل. الضيم: الظلم والإذلال. =

<<  <  ج: ص:  >  >>