للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علم لبيد أنّه من مضر وليس من ربيعة، وإنما أراد: من إحداهما بين القبيلتين، كأنه أبهم عليهما. يُعزّى ابنتَيْه في نفسه بأنه من إحدى هاتين القبيلتين، وقد فنوا، ولا بد أن يصير إلى مَصيرهم. وإنما خصّ القبيلتين لعِظَمهما، ولو زاد في الإبهام؛ لكان أعظم في التعزية.

والمعنى الثاني: أن تكون للتخيير، نحوَ قولك: "خُذْ ثوبًا" أو دينارًا، أو عشرةَ دراهم"، فقد خيرتَه أحدَهما، وكان الآخر غير مباح له؛ لأنه لم يكن للمخاطب أن يتناول شيئًا منها قبل، بل كانا محظورَيْن عليه، ثم زال الحَظْرُ من أحدهما، وبقى الآخر على حظره، قال الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (١)، فأوجب أحدَ هذه الثلاثة، وزمامُ الخِيرة بيد المكلَّف، فأيهما فعل؛ فقد كَفرَ، وخرج عن العُهدة، ولا يلزمه الجمعُ بينهما.

وأمّا الثالث: فهو الإباحة، ولفظها كلفظ التخيير، وإنما كان الفرق بينهما أن الإباحة تكون فيما ليس أصله الحظر، نحوَ قولك: "جالِسِ الحسنَ أو ابنَ سِيرِينَ"، و"البس خَزًّا أو كَتانًا"، كأنه نبه المخاطبَ على فضل أشياءَ من المباحات، فقال: "إن كنتَ لابسًا، فالبس هذا الضربَ من الثياب المباحة، وإن كنتَ مُجالِسًا، فجالِسْ هذا الضرب من الناس". فإن جالَسَ أحدَهما، فقد خرج عن العُهْدة؛ لأن "أو" تقتضي أحدَ الشيئين. وله مجالستُهما معًا لا لأمرٍ راجع إلى اللفظ، بل لأمرٍ خارجٍ، وهو قرينةٌ انضمت إلى اللفظ، وذلك أنه قد علم أنه إنما رغب في مجالسة الحسن لِما في ذلك من النفْع والحَظ، وهذا المعنى موجود في ابن سيرين.

ويجري النهىُ في ذلك هذا المجرى، نحوَ قولك للابس: "لا تلبسْ حريرًا، أو مُذهبا المعنى: لا تلبس حريرًا ولا مذهّبًا، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (٢)، فهذه "أو" هي التي تقع في الإباحة؛ لأن النهى قد وقع على الجمع والتفريق، ولا يجوز طاعةُ الآثم على الانفراد، ولا طاعة الكفور على الانفراد، ولا جمعُهما في الطاعة، فهو ههنا في النهي بمنزلة الإيجاب، نحوِ: "جالسِ الحسنَ أو ابنَ سيرين".


= محل جرّ بالإضافة."وما": الواو: حرف استئناف، "ما": حرف نفي. "أنا": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. "إلا": حرف حصر. "من ربيعة": جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف للمبتدأ. "أو": حرف عطف. "مضر": اسم معطوف على "ربيعة" مجرور، وسكن لضرورة الشعر.
جملة "تمنّى ابنتاي ... ": لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة. وجملة "أنا من ربيعة ... ": لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية.
والشاهد فيه قوله: "من ربيعة أو مضر" حيث جاءت "الواو" للإبهام على السامع.
(١) المائدة: ٨٩.
(٢) الإنسان: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>