للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: "فإما أمري جزعٌ وإمّا إجمالُ صبر". وإذا جاز الابتداء بها لم تكن عاطفة؛ لأن حروف العطف لا تخلو من أن تعطف مفردًا على مفرد، أو جملةً على جملة، فكلا الأمرين لا يُبتدأ به.

وقوله: "لدخول العاطف"، يريد لدخول الواو على "إمَّا" الثانية.

وقوله: "لوقوعها قبل المعطوف عليه" يريد أن الأُولى لا تكون عاطفة لوقوعها أوّلاً قبل ما عُطف عليه، وحرت العطف لا يتقدم على ما عُطف عليه. ولا تكون الثانية عاطفة للزوم حرف العطف، وهو الواو لها، وحرفُ العطف لا يدخل على مثله.

[فصل ["لا" و"بل" و"لكن"]]

قال صاحب الكتاب: و"لا"، و"بل"، و"لكن" أخوات في أن المعطوف بها مخالف للمعطوف عليه, فـ "لا" تنفي ما وجب للأول, كقولك: جاءني زيد ولا عمرو, و"بل" للإضراب عن الأول منفياً أو موجباً, كقولك: جاءني زيد بل عمرو, وما جاءني بكر بل خالد, و"لكن" إذا عطف بها مفرد على مثله, كانت للاستدراك بعد النفي خاصة كقولك: "ما رأيت زيداً لكن عمراً", وأما في عطف الجملتين, فنظيرة "بل", تقول: "جاءني زيد لكن عمرو لم يجيء"، و"ما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء".

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذه الأحرف الثلاثة متواخية لتقارب معانيها من حيث كان ما بعدها مخُالِفًا لِما قبلها على ما سيوضَح، وليس في حروف العطف ما يُشارِك ما بعده ما قبله في المعنى، إلَّا الواو، والفاء، و"ثُم"، و"حَتى"، فأما "لا" فتُخْرِج الثاني ممّا دخل فيه الأوّل. وذلك قولك: "ضربت زيدًا لا عمرًا"، و"مررت برجل لا امرأةٍ"، و"جاءني زيدُ لا عمرو". ولا تقع بعد نفي، فلا تقول: "ما قام زيدُ لا عمرو"؛ لأنها لإخراج الثاني ممّا دخل فيه الأوَّلُ، والأولُ لَم يدخل في شيء، فإذا قلت: "هذا زيدٌ لا عمرو"، فقد حققت الأولَ، وأبطلت الثاني، كما قال الثقَفي [من البسيط]:

١١٣٩ - هذِي المَفاخِرُ لا قَعْبانِ من لَبَنٍ ... شِيبَا بماءٍ فعادَا بَعْدُ أبْوالَا


١١٣٩ - التخريج: البيت لأبي الصلت الثقفي والد أميَّة في الشعر والشعراء ص ٤٦٩؛ والعقد الفريد ٢/ ٢٣؛ ولأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٢؛ وللنابغة الجعدي في ديوانه ص ١١٢.
اللغة والمعنى: القعب: القدح الضخم. شيبا: خولطا، مُزجا.
يشير إلى أفعال الفرسان، فيقول: بمثل هذه نفخر، ولا نفخر بأكواب من اللبن الممزوج بالماء، هذه تبقى، وتلك تتحول إلى بولٍ فيما بعد. =

<<  <  ج: ص:  >  >>