للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أن "لَم" و"لَمَّا" أُختان, لأنهما لنفي الماضي؛ ولذلك ذكرهما معًا. فأما "لَمْ"، فقال سيبويه (١): هو لنفي "فَعَلَ"، يريد أنه موضوع لنفي الماضي، فإذا قال القائل: "قام زيدٌ"، كان نفيُه: "لم يقَم". وهو يدخل على لفظ المضارع، ومعناه الماضي. قال بعضهم: إن "لَم" دخلت على لفظ الماضي، ونقلته إلى المضارع ليصحّ عملُها فيه. وقال الآخرون دخلت على لفظ المضارع، ونقلت معناه إلى الماضي. وهو الأظهرُ؛ لأن الغالب في الحروف تغيير المعاني لا الألفاظِ نفسها، فقالوا: قلبتْ معناه إلى الماضي منفيًا، ولذلك يصحّ اقتران الزمان الماضي به، فتقول: "لم يقم زيدٌ أمس"، كما تقول: "ما قام زيدٌ أمس". ولا يصح أن تقول: "لم يقم غدًا"، إلَّا أن يدخل عليه "إن" الشرطيةُ، فتقلبه قلبًا ثانيًا؛ لأنها ترد المضارع إلى أصل وَضْعه من صلاحيّة الاستقبال، فتقول: "إن لم تقم غدًا لم أقم". وذلك من حيث كانت "لَمْ" مختضة بالفعل غير داخلة على غيره، صارت كأحد حروفه. ولذلك لم يجز الفصل بينها وبين مجزومها بشيء. وإن وقع ذلك، كان من أقبح الضرورة. ويؤيد شدّةَ اتصالها بما بعدها أنهم أجازوا: "زيدًا لم أضْرِبْ"، كما يجوز "زيدًا أضرب". وقد عُلم أنه لا يجوز تقديم المعمول حيث لا يجوز تقديم العامل.

فإن قيل: فما الحاجة إلى "لَمْ" في النفي؟ وهلّا اكتُفي بـ "ما" من قولهم: "ما قام زيدٌ"، قيل: فيها زيادةُ فائدة ليست في "ما". وذلك أن "ما" إذا نفتِ الماضي، كان المراد ما قرب من الحال، ولم تنفِ الماضي مطلقًا، فاعرفِ الفرق بينهما إن شاء الله تعالى.

وأمّا "لَما"، فهي "لَمْ" زيدت عليها "ما"، فلم يتغير عملُها الذي هو الجزم. قال الله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} (٢). وتقع جوبًاونفيًا لقولهم: "قد فعل". وذلك أنك تقول: "قام"، فيصلح ذلك لجميع ما تَقدمك من الأزمنة، ونفيُه: "لم يقم" على ما تقدم. فإذا قلت: "قد قام"، فيكون ذلكَ إثباتًا لقيامه في أقربِ الأزمنة الماضية إلى زمن الوجود. ولذلك صلح أن يكون حالًا، فقالوا: "جاء زيدٌ ضاحكًا"، و"جاء زيد يضحك"، و"جاء زيدٌ قد ضحك". ونفيُ ذلك: "لَما يقم"، زدتَ على النافي، وهو "لَمْ"، "ما"، كما زدت في الواجب حرفًا، هو "قَد"؛ لأنّهما للحال، ولِما فيه تطاول، يُقال: "ركب زيدٌ وقد لبس خُفهُ"، و"ركب زيدٌ ولما يلبس خفه". فالحالُ قد جمعهما. وكذلك تقول: "ندم زيدٌ ولم ينفعه ندمُه"، أي: عقيبَ ندمه انتفى النفعُ. ولو قال: "ولما ينفعه ندمُه" امتد وتَطاول. لأن "ما" لما رُكبت مع "لَمْ"، حدث لها معنًى بالتركيب لم يكن لها، وغيرتْ معناها كما غيرت معنى "لَو" حين قلت "لَوْما".

ومن ذلك أنهم قد يحذفون الفعل الواقع بعد "لَمَّا"، فيقولون: "يريد زيدٌ أن يخرج


(١) الكتاب ٣/ ١١٧.
(٢) آل عمران: ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>