للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ} (١)، أي: بلى نجمعها قادرين، وقال تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ بَلَى} (٢). ولو قال:"نعم"، لكان كُفْرًا هذا قول النحويين المتقدمين من البصريين. وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز أن يقع "نعم" موقعَ "بلى"، وهو خلافُ نص سيبويه. وأحسنُ ما يُحمَل عليه كلامُ هذا المتأخر أنّ "نعم" إذا وقعتْ بعد نفيٍ قد دخل عليه الاستفهامُ، كانت بمنزلةِ "بلى" بعد النفي، أعني للإثبات؛ لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهامُ رُدّ إلى التقرير وصار إيجابًا، ألا ترى إلى قوله [من الوافر]:

١١٥٣ - ألَسْتُمْ خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا ... وأندى العالَمِين بُطُونَ راحِ

فإنه أخرجه فخرَجَ المدح، ويُقال: إن الممدوح اهتزّ بذلك. فعلى ذلك لا يقع "نعم" في جوابِ ما كان من ذلك إلا تصديقًا لفَحْواه، كما يقع في جواب الإيجاب، فاعرفه

وأمّا "أجَل"، فأمرها كأمر "نَعَمْ" في التصديق. قال الأخفش: إلَّا أن استعمالَ "أجل" مع غير الاستفهام أفصحُ.


(١) القيامة: ٣ - ٤.
(٢) البقرة: ٢٦٠.
١١٥٣ - التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص ٨٥، ٨٩؛ والجنى الداني ص ٣٢؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٤٢؛ ولسان العرب ٧/ ١٠١ (نقص) وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٦٣، ٣/ ٢٦٩؛ ورصف المباني ص ٤٦؛ والمقتضب ٣/ ٢٩٢.
اللغة: المطايا: جمع مطية وهي جمل دابة تستخدم للركوب. أندى: أكثر ندى وجودّا وأكرم عطاء.
الراح: جمع راحة وهي باطن الكفّ.
المعنى: يتساءل مقرّرًا أنهم أفضل الناس شجاعة وكرمًا، ألستم أفضل الفرسان الذين يمتطون صهوات دوابهم للحرب والطعان؟ وكذلك ألستم أكثر الناس جودًا وكرمًا تمنحون الناس من باطن راحاتكم خيرًا وسخاء.
الإعراب: "ألستم": الهمزة: حرف استفهام لا محلّ له، "ليس": فعل ماضٍ ناقص، و"تم": ضمير متصل في محل رفع اسم (ليس). "خير": خبر (ليس) منصوب بالفتحة. "من": اسم موصول في محل جرّ بالإضافة، "ركب": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره: (هو). "المطايا": مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. "وأندى": الواو: حرف عطف، "أندى": اسم معطوف على منصوب منصوب مثله بفتحة مقدّرة على الألف."العالمين": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. "بطون": تمييز منصوب بالفتحة. "راح": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "ألستم خير": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ركب المطايا": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "ألستم" حيث دخلت همزة الاستفهام لتفيد نفي ما بعدها، وهو نفي أيضًا، ونفي النفي إثبات، لذا صار المعنى: أنتم خير ... وأندى.

<<  <  ج: ص:  >  >>