للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن الحروف المزيدة "إن" المكسورةُ، فإنها تقع زائدةٌ، والغالبُ عليها أن تقع بعد "ما". وهي في ذلك على ضربَين: مُؤكَّدة وكافة، وأمّا المؤكدةُ ففي قولهم: "ما إنّ رأيتُه"، والمرادُ: ما رأيتُه، و"إنْ" لَغوٌ لم يُحدِث دخولها شيئًا لم يكن قبلُ، وأما قوله [من الكامل]:

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ به ... إلخ

فإن البيت لدُرَيد بن الصمة، وبعده:

مُتَبَذلاً تَبدُو مَحاسِنُه ... يَضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُقبِ

الشاهد فيه زيادةُ "إنْ" بعد "ما"، والمراد: ما رأيتُ. والأيْنُقُ: جمعُ ناقةٍ، وأصلُها: أنوُقٌ، فاستثقلوا الضمة على الواو، فقدموها إلى موضع الفاء، لِتسكنَ، فصار: أونُقًا، وربّما تكلمت به العربُ، حكى ذلك ابن السِّكيت عن بعض الطائيين، ثم قلبوها ياء تخفيفًا، فصار: أينقًا. والهِناءُ: القِطران، يقال: "هَنَأتُ البعيرَ أهنِئُه"، إذا طَلَيتَه بالهناء، وإبلٌ مَهنُوءةٌ، أي: مَطلِيةٌ. والنقبُ: جمعُ نَقْبَةٍ، وهو أوّلُ ما يبدو من الجَرَب قِطَعًا متفرقة. وقال الكُمَيت [من الوافر]:

فما إنْ طِبُّنا جُبُنٌ وَلكِن ... مَنايانَا ودَوْلَةُ اخَرينا (١)

فالطبّ: العادة ها هنا. يقول: ما لنا بالجُبُن عادةٌ، ولكن حضرت مَنيتُنا ودولةُ آخرين، حتى نال الأعداءُ مّنا.

وهذه "إن" إذا دخلت على "ما" النافية، نحوَ: "ما إن زيدٌ قائمٌ"، فهي في لغة بني تميم مؤكدة لأنهم لا يُعمِلون "ما"، وفي لغة أهل الحجاز تكون زائدةً كافةً لها عن العمل، ويكون ما بعدها مبتدأ وخبرًا، كما كانت "ما" كافةً لـ "إِن" عن العمل في قولك: "إنما زيدٌ قائمٌ"، وقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِد} (٢).

وقد ذهب الفراء إلى أن "ما" و"إن" جميعًا للنفي كأنها تزادا "ما" ها هنا على النفي، مبالغةً في النفي وتأكيدًا له، كما تزاد اللامُ تأكيدًا للإيجاب في قولك: "إن زيدًا لقائمٌ". وغالى في ذلك حتى قال: يجوز أن يُقال: "لا إن ما" فيكون الثلاثةُ للنفي، وأنشد [من البسيط]:

إلَّا الأوارِي لا إن ما أُبَينُها ... والنُّؤْيَ كالحَوْض بالمظلومة الجَلَدِ (٣)

والصواب ما ذهب إليه الجماعةُ من أن "إن" بعد "ما" زائدةٌ، و"ما" وحدَها للنفي،


(١) تقدم بالرقم ٨٢١.
(٢) النساء:١٧١.
(٣) تقدم بالرقم ٣٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>