للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضع الجملة جرًّا بالإضافة. فإذا وقع الفعل المضارع بعدها؛ وقع موقعَ اسم مجرور. والفعلُ متى وقع موقعَ اسم، لم يجز فيه إلَّا الرفعُ. فلو جُوزى بـ "حَيثُ"، ولم ينضمّ إليها "ما"، لم يجز، لأنّك إذا جازيتَ بها جزمتَ. وهذا موضعٌ لا يكون الفعل فيه إلَّا مرتفعًا لوقوعه موقعَ الاسم. وكذلك "إذ" لا يُجازَى بها حتى تُكَفّ بـ "ما"، وإذا امتنعت المجازاة بها، ضُمّ إليها "ما" الكافّةُ، فمنعتْها الإضافةَ، كما أنك لمّا ضممتها إلى الحروف والأسماء، منعتَها الإضافةَ والجرّ في قوله [من الكامل]:

بعدَما أفْنانُ رأسِك (١)

وقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٢)؛ فلذلك ذَكَرَ "ما" من "أيْنَما" أنها صلةٌ مؤكّدةٌ، ولم يذكر "حَيْث ما" فاعرفه.

وقالوا: "بِعَيْنٍ مَّا أرَيَنَّكَ" (٣)، فـ "ما" مؤكدةٌ، والمراد: بعَين أرينّك، وهو مَثَلٌ يُضرَب في استعجال الرسول. قال الغُوريّ: أي: اعجلْ، وكُنْ كأنيّ أنْظُرُ إليك، قال ابن كَيْسانَ: "ما" لا موضع لها من الإعراب هنا، يريد أنّها حرفٌ زائدٌ مؤكّدٌ.

وفي التنزيل منه كثيرٌ، فمن ذلك قوله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (٤)، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (٥)، فيعود الجارُّ إلى ما بعد "ما". وعملُه فيه دليلٌ على أنها ملغاةٌ زائدةٌ، والمعنى على فبنَقْضهم ميثاقهم، وفَبِرحمة من الله، إذ لا يسوغ حَمْلُها على ظاهر النفي إذ يصير المعنى: أنك لنتَ لهم لا برحمة من الله، وكذلك بقيةُ الآي من قوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ} (٦)، وقوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} (٧)، والمعنى: عن قليلٍ، وأيَّ الأجلين قضيت.

فأمّا قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} (٨) فإنّ "ما" معها زائدةٌ؛ لأنّ الحكم بعد دخولِ "ما" على ما كان قبلُ، وذلك أنّه لا يجازَى بها إلَّا في ضرورةِ شاعر. هذا مذهبُ أهل البصرة، وذلك لأنها لوَقْتٍ معلومٍ، والذاكرُ لها كالمعترف بأنّها كائنةٌ لا


(١) تقدم بالرقم ١١٥٥.
(٢) الحجر:٢.
(٣) ورد هذا المثل في جمهرة الأمثال ١/ ٢٣٦؛ وخزانة الأدب ١١/ ٤٠٣؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٠١ (عين)؛ والمستقصى ٢/ ١١؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٠٠.
(٤) النساء: ١٥٥.
(٥) آل عمران: ١٥٩.
(٦) المؤمنون: ٤٠.
(٧) القصص: ٢٨.
(٨) التوبة: ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>