للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمجرّد التأكيد من غيرِ إحداثِ معنى، كما كانت "ما"، و"إنْ" ونحوُهما كذلك في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (١) وقوله [من الوافر]:

فما إن طِبّنا جُبُنٌ (٢)

وزيادتُها قد جاءت في موضعَيْن: أحدهما: أن تزاد مع الفضلة، وأعني بالفضلة المفعول وما أشبهه، وهو الغالب عليها. والآخرُ: أن تزاد مع أحد جزأي الجملة التي لا تنعقد مستقلّةً إلَّا به. فأمّا زيادتها مع المفعول، فنحو قوله تعالي: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٣)، والمراد: أيدِيَكم. ألا ترى أنّ الفعل متعدٍّ بنفسه، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (٤) و {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (٥)؛ ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (٦)، والمراد: ألم يعلم أن الله يرى، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (٧). ومن ذلك قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (٨)، والمراد: تنبت الدهنَ. ألا ترى أنّه مِن "أنبَتَ"؟ فالهمزةُ فيه للنقل، وإذا كاَنت كذلك، فلا يُجْمَع بينها وبين الباء، فإنّه لا يجوز أن يُقال: "أذهَبتُ بزيدٍ"؛ لأن أحدهما يُغْنِي عن الآخر.

وقد ذهب قومٌ إلى أن الباء هنا ليست زائدة، وأنهّا في موضع الحال، والمفعولُ محذوف، والمعنى: تنبِت ما تُنبِته ودُهْنُه فيه، كما يُقال: "خرج زيدٌ بثيابه"، أي: وثيابُه عليه، وركب بسيفه. ومنه قول الشاعر [من المتقارب]:

ومُستَنَّة كاستِنانِ الخَرُوف ... قد قَطَعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ (٩)

أي: ومرودُه فيه.

وأمّا المُشابِة للمفعول؛ فقد زيدت في خبر "لَيسَ"، و"ما" لتأكيد النفي. قالوا: "ليس زيدٌ بقائم"، أي: قائمًا. قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟} (١٠)، أي: كافِيًا عبدَه. وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟} (١١)، أي ربَّكم. وقال: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} (١٢)، أي: طاردَ المؤمنين، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (١٣)، أي: مؤمنًا لنا.

وأمّا زيادتها مع أحد جزءَي الجملة، ففي ثلاثة مواضع:

أحدُها: مع الفاعل قالَ: {وَكَفَى بِاللَّهِ} (١٤) فالباءُ وما عملتْ فيه في موضعِ


(١) آل عمران: ١٥٩.
(٢) تقدم بالرقم ٨٢١.
(٣) البقرة: ١٩٥.
(٤) النحل: ١٥، ولقمان: ١٠.
(٥) آل عمران: ١٥١.
(٦) العلق: ١٤.
(٧) النور: ٢٥.
(٨) المؤمنون:٢٠. وهي قراءة ابن كثير ورويس وابن محيصن. انظر: البحر المحيط ٦/ ٤٠١: والكشاف ٣/ ٢٩؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٢٨؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٢٠٥.
(٩) تقدم بالرقم ١٠٧٣.
(١٠) الزمر: ٣٦.
(١١) الأعراف: ١٧٢.
(١٢) الشعراء: ١١٤.
(١٣) يوسف: ١٧.
(١٤) الرعد: ٤٣؛ والإسراء: ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>