للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولك في الفعل: "يُعجِبني ما تصنع"، أي: صنيعُك، ودخولُها على الاسم قولك: "يعجبني ما أنت صانعٌ"، أي: صنيعُك.

وتقول: "بلغني أن جاء زيدٌ"، أي: مجيئُه، فيكون المصدر بمعنى الماضي, لأنّ "أنْ" دخلت على فعل ماض.

وتقول: "أُريد أن تفعل" أي: فعْلَك، فيكون المصدر لِما لم يقع؛ لأن "أنْ" دخلت على فعل مستقبل. وقوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} (١)، يُرْوَى برفع الجواب ونصبِه. فمَن رفعه. كان الخبر "أنْ" والعْعلَ، على تقديرِ: فما كان جوابُ قومه إلَّا قولَهم. ومَن نصبه، كان خبرًا مقدمًا، و"أن قالوا" في موضع الاسم.

[فصل [رفع الفعل بعد "أن" المصدرية]]

قال صاحب الكتاب: وبعض العرب يرفع الفعل بعد "أن" تشبيها بـ "ما" قال [من البسيط]:

أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا (٢)

وعن مجاهد {أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (٣) بالرفع.

* * *

قال الشارح: قال ابن جِنيّ: قرأتُ على محمّد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قولَ الشاعر [من البسيط]:

يا صاحِبَىَّ فَدَتْ نَفْسِي نُفُوسَكُما ... وحَيثُمَاكُنْتُما لَاقَيْتُما رَشَدا

أن تَحْمِلا حاجَةً لِي خَفَّ مَحملُها ... وَتَصْنَعا نِعْمَةً عندي بها ويَدا

أنْ تَقرَآنِ على أسْماءَ وَيْحَكُما ... مِنِّي السلامَ وأنْ لا تشْعِرا أحَدا

فقال في تفسيرِ "أن تقرآن"، وعلّةُ رفعه: إِنه شبّه "أنْ" بـ "ما"، فلم يُعْمِلْها في صلتها، ومثلُه الآيةُ، وهو رأيُ السيرافي. ولعلّ صاحب هذا الكتاب نقله من الشرح.

وقوله: "أن تحملا حاجة" في موضعِ نصب بفعل مضمر دلّ عليه ما تضمّنه البيتُ الأوّلُ من النداء والدعاء، والمعنى: أسألُكما أن تحملا. وهو رأيُ البغداديين، ولا يراه البصريون، وصحّةُ مَحْمَل البيت عندهم على أنّها المخفّفةُ من الثقيلة، أي. أنَّكُمَا تقرآن، و"أنْ" وما بعدها في موضع البدل من قوله: حاجة؛ لأنّ حاجته قراءةُ السلام عليها. وقد استبعدوا تشبيهَ "أنْ" بـ "ما"؛ لأن "ما" مصدرٌ معناه الحال، و"أنْ" وما بعدها مصدرٌ إمّا ماضٍ، وإما مستقبلٌ على حسب الفعل الواقع بعدها، فلذلك لا يصحّ حملُ إِحداهما على الأُخرى، فاعرفه.


(١) العنكبوت: ٢٩.
(٢) تقدم بالرقم ٩٦١.
(٣) البقرة: ٢٣٣. ولم أقع على هذه القراءة في معجم القراءات القرآنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>