للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالفعل الأولِ، وكان أظهر ضميرَ المفعول في "استشعرت"، وقال: و"استشعرَتْهُ"؛ كأنّه يصف خَيْلاً، وأنّ ألوانها كُمْتٌ مشوبةٌ بحْمْرة، كأن عليها شِعارَ ذهب. و"الشعارُ": ما يلي الجَسَدَ من الثياب، و"المُذْهَبُ"، ها هنا؛ من أسماء الذهب. فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "وكذلك إذا قلت: ضربت وضربني زيد, رفعته, لإيلائك إياه الرافع، وحذفت مفعول الأول استغناءً عنه. وعلى هذا تُعمل الأقرب أبدًا, فتقول: "ضربت وضربني قومك". قال سيبويه ولو لم تحمل الكلام على الآخر, لقلت: "ضربت وضربوني قومك" (١). وهو الوجه المختار الذي ورد به التنزيل. قال الله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} (٢) , و {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (٣) وإليه ذهب أصحابنا البصريون" (٤).

* * *

قال الشارح: إذا قلت: "ضربتُ وضربني زيدٌ"، برفعِ "زيد"، أعملت الثاني, وهو فعلٌ ومفعولٌ، وليس بعد الفعل والمفعول إلَّا الفاعلُ؛ والفاعلُ حقُّه الرفع، وهذا معنى قوله: "لإيلائك إيّاه الرافعَ"، يشير بذلك إلى قُرْبه منه، وحذفت مفعول الأوّل استغناءً عنه، ولمَ تُضْمِره, لأنّ المفعول فضلةٌ، فلم تحتج إلى إضماره. وعلى هذا يُعْمَل الأقربُ أبدًا، وذلك متقضَى القياس، فتقول: "ضربنُ وضربني قومُك"، أعملتَ الثاني، ولذلك رفعتَ "القوم"، ووحّدتَ الفعل لخلوّه من الضمير. ولو أعمل الأوّلَ لَقلت: "ضربتُ وضربونىِ قومَك"، بنصبِ "القوم" وإظهارِ ضميرِ الجماعة في الفعل الثاني؛ لأنّ تقديره: "ضربتُ قومَك وضربوني".

والوجه المختار: "ضربنتُ وضربني قومُك"، وبه ورد الكتابُ العزيز. قال الله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} (٥)؛ أعمل الثاني، ولو أعمل الأوّل لقال: "آتوني أفرغه عليه قطرًا"، إذ التقدير: "آتوني قطرًا أفرغه عليه". ومثله قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} (٦)؛ أعمل الثاني، ,وهو"اقرؤوا"، ولو أعمل الأوّل لقال: "هاؤم اقرؤوه


(١) الكتاب ١/ ٧٦؛ وفيه: "وإنّما كلامُهم": "ضربت وضربني قومُك"، أي: بإعمال العامل الثاني.
(٢) الكهف: ٩٦.
(٣) الحاقة: ١٩.
(٤) انظر المسألة الثالثة عشرة في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ٨٣، ٩٦.
(٥) الكهف: ٩٦.
(٦) الحاقة: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>