للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِنّ "إن" الشرطيّةَ تدخل على جملتَين فعليّتَين، فتُعلَّق إحداهما بالأُخرى، وتربط كلَّ واحدة منهما بصاحبتها حتى لا تنفرد إحداهما عن الأُخرى. وإنّما وجب أن تكون الجملتان فعليّتين من قبل أن الشرط إنما يكون بما ليس في الوجود، ويحتمل أن يوجَد وأن لا يوجد، والأسماءُ ثابتةٌ موجودة لا يصح تعليقُ وجود غيرها على وجودها.

ولا يخلو هذان الفعلان من أن يكونا مضارعين، أو ماضيين، أو أحدهما ماضيًا والآخر مضارعًا. فإن كانا مضارعين، كانا مجزومين، وظهر الجزمُ فيهما، كقولك: "إن تقم أقم". وإن كان ماضيين، كانا مُثْبَتَيْن على حالهما، وكان الجزم فيهما مقدّرًا، نحوَ قولك: "إن قمتَ قمتُ"، والمعنى: "إن تقم أقم".

فإن كان الأوّل ماضيًا والثاني مضارعًا، فيكون الأول في موضعِ مجزوم، والثاني معربًا، نحوَ قولك: "إن قمتَ أقم". ولا يحسن عكسُ هذا الوجه بأن يكون الأوّل مضارعًا معربًا والثاني ماضيًا مبنيًّا، نحوَ قولك: "إن تقم قمت". وذلك لأمرين: أحدهما أنّ الشرط إذا كان مجزومًا، لزم أن يكون جوابه كذلك؛ لأنّك إذا أعملته في الأوّل، كنت قد أرهفتَه للعمل غايةَ الإرهاف، فتركُ إعماله في الثاني تراجع عمّا اعتزموه، وصار بمنزلةِ "زيدٌ قائمٌ ظننتُ ظَنًّا"؛ لأن تأكيد الفعل إرهافٌ وعنايةٌ بالفعل، وإلغاؤُه إهمالٌ واطراحٌ، وذانك معنيان متدافعان. الثاني أنّ "إنْ"، إذا جزمتْ، اقتضتْ مجزومًا بعدها؛ لأنّها بجزْمها ما بعدها يظهر أنّها تجزم، وجزمُها يتعلّق بفعلين. وإذا لم يظهر جزمُها، صارت بمنزلةِ حرف جازم لا يؤتى له بمجزوم.

فأمّا قوله تعالى. {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١) فإنّ جَزْمَ "تغفر لنا" بـ "لم" لا بـ "إِن". ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٢)، لمّا كانت "إنْ" هي الجازمةَ "ليغفر لي" جُزم الجواب؟ وقد يُجزم الجواب وإن كان الشرط غير مجزوم. وأحسنُ ذلك أن يكون الشرط بـ "كَانَ"؛ لقوّةِ "كان" في باب المجازاة، وقول صاحب


= عمل "لا"، و"غائب" عنده مبتدأ مرفوع. "مالي": فاعل لاسم الفاعل "غائب" مرفوع سدّ مسدّ الخبر، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبنيّ في محل جرّ بالإضافة. "ولا": الواو: حرف عطف، لا: زائدة لتأكيد النفي. "حرم": معطوف على "غائب" مرفوع.
وجملة "إن أتاه خليل. ... ": لا محلّ لها من الإعراب لأنهّا استئنافية، أو معطوفة على جملة سابقة.
وجملة "يقول ... ": لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو "إذا". وجملة "لا غائب مالي": في محلّ نصب مفعول به.
والشاهد فيه قوله: رفع "يقول" على نيّة التقديم، والتقدير: يقول إنْ أتاه خليل. وجاز هذا لأنَّ "إنْ" غير عاملة في اللفظ، والمبرّد يقدّره على حذف الفاء. والجزمُ جائز.
(١) الأعراف: ٢٣.
(٢) هود: ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>