للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن هذه النون لم تدخل فارقةً بين معنيَيْن، وإنما دخلت لضرب من الاستحسان، وهو الحمل على "لَيَفعَلَنَّ"؛ لشَبَهٍ بينهما. وقد جاز سقوطُ النون مِن "ليفعلنّ" على ما حكاه سيبويه وإذا لم تلزم مع "ليفعلنّ" مع أنّ النون فيه تفرق بين معنيَيْن، فأنْ لا تلزم "إمَّا يفعلنّ" بطريق الأوْلى، إذ النونُ فيه لا تفرق بين معنيين. قال الشاعر [من الطويل]:

فإمّا تَرَيني اليومَ أُزْجِي ظَعِينَتي ... أُصَعّدُ سَيرًا في البلاد وأُفْرع (١)

البيت لعبد الله (٢) بن هَمّام السَّلوليّ، أنشده الزمخشريّ شاهدًا على المجازاة بـ "إمَّا" وحذفِ نون التأكيد من شرطها. ورواه سيبويه (٣):

إذما ترينى اليوم أزجي ظعينتي

وبعده:

فإنِّىَ مِن قَوْمٍ سِواكم وإنمّا .... رِجالِيَ فَهْمٌ بالحِجاز وأشجَعُ

قال (٤): سمعناهما ممن يرويهما عن العرب هكذا "إذْما" والمعنى "إمّا". ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وإنما سيبويه أنشده شاهدًا على صحة المجازاة بـ "إذْمَا" وخروجِها إلى معنى "إمَّا". والمُزْجِي فاعلٌ من "أُزْجيه" إذا سقته برِفْقٍ، والظعينةُ: المرأةُ في الهَوْدَج، والمُفرعُ ها هنا: المُنْحَدِر، وهو من الأضْداد، وانتمى في النَّسَب إلى فَهْمٍ وأشجعَ، وهو من سَلول بن عامر؛ لأنهم كلهم من قيسِ عَيْلانَ بن مُضَرَ، فاعرفه.

فصل [تصدّر الشرط]

قال صاحب الكتاب: والشرط كالاستفهام في أن شيئاً مما في حيزه لا يتقدمه, ونحو قولك: "آتيك إن تأتني"، و"قد سألتك لو أعطيتني" ليس ما تقدم فيه جزاء مقدماً، ولكن كلاماً وارداً على سبيل الإخبار, والجزاء محذوفٌ, وحذف جواب "لو" كثيرٌ في القرآن والشعر.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم قولنا: إِنّ الشرط كالاستفهام له صدر الكلام، ولذلك لا يعمل في أسماء الشرط شيءٌ ممّا قبله، ولا يتقدّم عليه ما كان في حيّزه إلَّا أن يكون


= وجملة "إما تريني ... " الشرطية: ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "تريني" جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "قاربت": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "إمّا تريني" حيث جاء الفعل بعد "إمّا" بدون نون التوكيد، ويروى البيت شاهدًا على قوله: "أمّ حمز" حيث رخّم المركب الإضافى بحذف آخر المضاف إليه.
(١) في الطبعتين "عبد الرحمن"، وهذا خطأ.
(٢) تقدم بالرقم ٩٨٨.
(٣) الكتاب ٣/ ٥٧.
(٤) الكتاب ٣/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>