للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لا تهينن.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ أمر هذه النون الخفيفة في الفعل كالتنوين في الاسم؛ لأنّ مجراهما واحد؛ لأنّ النون تُمكِّن الفعلَ كتمكين التنوين الاسمَ. ألا ترى أنّ حكمهما واحد في الوقف، فإن كان ما قبل النون مفتوحًا، قلبتَها ألفًا في الوقف، وذلك قولك في "اضرِبَنْ": "اضرِبَا"، وفي "لَيَضرِبَن": "لَيَضرِبَا". قال الله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} (١). فإن كان ما قبلها مضمومًا أو مكسورًا، حذفتها ولم تُبدِل كما تفعل بالتنوين، فتقول في الوقف على "هل تضربُن": "هل تضربُون"، ولْي الوقف على "هل تضربِن": "هل تضربِين". لمّا وقفتَ، حذفتَ النون الخفيفة، ولم تبدل منها كما أبدلت مع الفتحة؛ لأنّك تقول في الأسماء: "رأيتُ زيدًا"، فتُبدِل الألف في النصب من التنوين، وتقول في الرفع: "هذا زيدُ"، وفي الجرّ": "مررت بزيدِ"، فلا يُبدلون، وإنّما يحذفوها حذفا، كذلك هذه النون. وإذا حُذفت، عاد الفعلُ إلى إعرابه، فالنونُ نظيرهُ التنوين، لا فرق بين النون الخفيفة في الأفعال وبين التنوين في الأسماء، إلَّا أنّ النون تحذف إذا لقيها ساكنٌ بعدها من كلمة أُخرى، والتنوين يُحرَّك لالتقاء الساكنين.

وقد يجوز حذفها في الشعر وفي قلّة من الكلام، فتقول إذا أردت النون الخفيفة: "اضرِبَ الرجلَ". ومنه قول الشاعر [من المنسرح]:

لا تهين الفقير ... إلخ


= وشرح شافية ابن الحاجب ٢/ ٣٢؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٥٠؛ ولسان العرب ٦/ ١٨٤ (قنس)، ٨/ ١٣٣ (ركع)، ١٣/ ٤٣٨ (هون)؛ ومغني اللبيب ١/ ١٥٥.
المعنى: لا تحتقر من هو دونك شأنًا، فربّما ينال منك الدهر فيذلّك، ويأتي معه فيرفعه.
الإعراب: "لا": حرف نهي وجزم. "تهين": فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة منعًا من التقاء الساكنين، والفعل في محلّ جزم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. "الفقير": مفعول به منصوب. "علّك": حرف مشبّه بالفعل، والكاف: ضمير متصل مبنيّ في محلّ نصب اسم "علّ". "أن": حرف مصدريّ ونصب. "تركع": فعل مضارع منصوب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محلّ رفع خبر "علّ". (يومًا): ظرف زمان منصوب، متعلّق بـ "تركع". "والدهر": الواو: حاليّة، و"الدهر": مبتدأ مرفوع. "قد": حرف تحقيق. "رفعه": فعل ماضٍ، والهاء: ضمير متصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
وجملة "لا تهين": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "علك أن ... ": استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "الدهر قد رفعه": في محلّ نصب حال. وجملة "رفعه": في محلّ رفع خبر المبتدأ.
والشاهد فيه قوله: "لا تهين" حيث حذف نون التوكيد الخفيفة، والأصل: "لا تهينن"، منعًا من التقاء الساكنين، وبقيت الفتحة دليلًا عليها.
(١) العلق: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>