للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنًا، نحوَ لام المعرفة في "الغلام" و"الرجل"، فإِنَّكَ تكسرها تشبيهًا بالقافية المجرورة إذا وقع حرفُ رَوِيّها حرفًا ساكنًا صحيحًا، نحوَ قوله [من الكامل]:

وَكأن قَدِي (١)

لأنّ "قَدْ" إذا لقيها ساكنٌ بعدها تُكسَر، نحوَ قولك: "قَدِ احْمَرَّ البُسرُ"، و"قَدِ انطلق الرجلُ". ولو وقعت "من" قافيةً، لأُطلقت إلىَ الفتح، وكان زيادةُ الإطلاق ألفًا. وقد يجوز إطلاقُها إلى الكسر، فتكون الزيادة ياءً لأنّ (٢) "من" قد تُفْتَح في نحو قولك: "مِنَ الرجل"، وتُكسَر في نحو "مِنِ ابنك". فتقول في القافية المنصوبة: "مَنا" وفي القافية المجرورة:"مَنِي". فعلى هذا تقول في التذكّر: "قَدِى" في "قَدْ قَامَ" أو "قَدْ قَعَدَ". وكذلك كلُّ ساكن وقفتَ عليه، وتذكرتَ بعده كلامًا، فإنّك تكسره وتُشْبع كسرتَه للاستطالة والتذكّرِ، إذا كان ممّا يُكسَر إذا لقيه ساكنٌ بعده.

فإن كان الساكن ممّا يكون في وقت مضمومًا، وفي وقت مفتوحًا، ووقفتَ عليه متذكّرًا؛ ألحقتَ ما يكون مضمومًا واوًا، وما يكون مفتوحًا ألفًا، فتقول: "ما رأيته مُذُو"، أي: مذ يومُ كذا, لأنّ "مُذ" إذا لقيها ساكنٌ بعدها، ضُمّت؛ لأنّ الأصل في "مُنْذ" الضمُّ. وتقول: "عجبت مِنا" بألف في "مِن زيد" ونحوه؛ لأنّك تقول: "مِنَ الرجل"، و"مِنَ الغلام"، فتفتحه. ومَن كانت لغتُه الكسرَ نحوَ: "مِنِ الغلام"، قال متذكّرًا: "مِنِي". فحكمُ التذكّر في هذا الباب حكمُ القافية، والجامعُ بينهما أنّ القافية موضع مَدّ واستطالةِ، كما أنّ التذكّر موضع استشرافٍ وتطاوُلٍ إلى المتذكَّر.

وحكى سيبويه: "هذا سَيفُني"، يريد: هذا سيفٌ حادٌّ أو ماضٍ أو نحوهما من الصفات، فنَسِيَ، ومَدَّ متذكّرًا إن لم يرد أن يقطع اللفظ، وكان التنوين حرفًا ساكنًا, فكُسر كما كسر ذاك. وقد قال سيبويه: سمعنا من يوثق به يقول ذلك.

انتهى الكلام على قسم الحروف، وهو القسم الثالث، ويتلوه المشترَكُ. والحمد لله ربّ العالمين، ولا حول ولا قوّة إلَّا باللهِ العليّ العظيم.


(١) تقدم بالرقم ١٠٦٤.
(٢) في الطبعتين: "إلَّا إنّ" مكان "لأنّ"؛ وهذا تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>