للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصوبًا، فالوقفُ على المرفوع على أربعة أوجه: بالسكون، والإشمام، والرَّوْم، والتضعيف، ونَقْل الحركة.

فالسكون هو الأصل، والأغلب الأكثر, لأنّه سَلْبُ الحركة، وذلك أبلغُ في تحصيل غرض الاستراحة. وأمّا الإشمام فهو تهيئةُ العُضْو للنطْق بالضمّ من غير تصويت، وذلك بأن تضمّ شفتَيْك بعد الإسكان، وتدع بينهما بعضَ الانفراج؛ ليخرج منه النَّفَسُ، فيراهما المخاطبُ مضمومتَيْن، فيعلم أنّا أردنا بضمّهما الحركة، فهو شيءٌ يختصّ العين دون الأذن، وذلك إنّما يُدْرِكه البصيرُ دون الأعمى؛ لأنّه ليس بصوتٍ يُسمع، وإنّما هو بمنزلة تحريكِ عضو من جَسَدك.

ولا يكون الإشمامُ في الجرّ والنصب عندنا, لأنّ الكسرة من مخرج الياء، ومخرجُ الياء من داخل الفم من ظهر اللسان إلى ما حاذاه من الحنك من غير إطباق بتفاجّ الحنك عن ظهر اللسان. ولأجل تلك الفَجْوة لان صوتُها، وذلك أمرٌ باطنٌ لا يظهر للعِيان. وكذلك الفتحُ؛ لأنّه من الألف، والألفُ من الحلق، فما للإشمام إليهما سبيلٌ.

وذهب الكوفيون إلى جواز الإشمام في المجرور، قالوا: لأنّ الكسرة تكسر الشفتين كما أنّ الضمّة تضُمّهما. والصوابُ ما ذكرناه للعلّة المذكورة. واشتقاقُ الإشمام من الشَّمّ، كأنّك أشممت الحرفَ رائحةَ الحركة، بأن هيّأتَ العضو للنطق بها.

وأمّا الرَّوْم، فصوتٌ ضعيف، كأنّك تروم الحركة ولا تُتِمّها، وتختلسها اختلاسًا، وذلك ممّا يدركه الأعمى والبصيرُ؛ لأنّ فيه صوتًا يكاد الحرفُ يكون به متحرّكًا، ألا تراك تفصل بين المذكّر والمؤنّث في "أَنْتَ"، و"أَنْتِ". فلولا أنّ هناك صوتًا، لما فصلتَ بين المذكّر والمؤنّث. وبعض النحويين لا يعرف الإشمام، ولا يفرق بين الروم والإشمام.

وأمّا التضعيف، فهو أن تُضاعف الحرفَ الموقوفَ عليه بأن تزيد عليه حرفًا مثله، فيلزم الادغامُ، نحو: "هذا خالدْ"، و"هذا فَرَجْ". وهذا التضعيف إنّما هو من زيادات الوقف، فإذا وصلتَ وجب تحريكُه، وسقطت هذه الزيادةُ، وربّما استعملوا ذلك في القوافي. قال [من الرجز]:

مِثْلُ الحَرِيقِ وافَقَ القَصَبَّا (١)

فأثبتوها في الوصل هنا ضرورةً، كأنّهم أجروا الوصل مجرى الوقف، ولا يكون هذا التضعيف في الوصل.

وقد جعل سيبويه (٢) لكلّ شيء من هذه الأشياء علامةً في الخط، فعلامةُ السكون خاءٌ فوق الحروف، وعلامةُ الإشمام نقطةٌ بعد الحروف، وعلامةُ الروم خطٌ بين يَدَي


(١) تقدم بالرقم ٤٤٨.
(٢) الكتاب ٤/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>