للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الوقف: "هذا طَلْحَتْ"، وهي لغة فاشية حكاها أبو الخطاب، ومنه قولهم: "وعليه السلام والرَّحْمَتْ". ومنه قولهم [من الرجز]:

بل جَوزِ تيهاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ

وقال الآخر [من الرجز]:

اللَّهُ نَجَّاكَ بَكفَّي مُسْلِمَتْ ... من بَعْدِما وبَعْدِما وبَعْدِمَتْ (١)

صارت نفوسُ القوم عند الغَلْصَمَتْ ... وكادتِ الحُرَّةُ أن تُدْعَى أَمَتْ

وكلّ ذلك إجراء الوقف مجرى الوصل، فأمّا قوله: "وبعدمت"، فالمراد: بعدما، فأبدل الألف في التقدير هاء، فصارت "بَعْدِمَهْ"، وقد أُبدلت الهاء من الألف. قال الشاعر [من الرجز]:

قد وَرَدَتْ من أَمْكِنَهْ ... من هاهُنا ومن هُنَهْ (٢)

يريد "هُنا"، ثمّ أبدل الألف هاءً لتُوافِق بقيّةَ القوافي، وشجّعه على ذلك شَبَهُ الهاء المقدّرة بتاء التأنيث، وكانت هذه اللغةُ من قبيل إجراء الوقف مجرى الوصل.

فأمّا "هَيْهاتَ" "هَيْهاتِ" ففيها لغتان: فتحُ التاء، وكسرُها. فمَن فتح جعلها واحدًا، ووقف عليها بالهاء. ومن كسرها جعلها جمعًا، ووقف عليها بالتاء. فأمّا الألف فيمن فتح فيحتمل أمرَيْن: يجوز أنه يكون من باب "الجَأْجَأَةِ" و"الصِّيصِيَةِ"، فتكون مبدلة من الياء، والأصلُ: هَيْهَيَةٌ، فيكون على هذا معكوسَ قولهم لصوت الراعي: "يَهْيَاة". ويجوز أن تكون الألف زائدة، ويكون من قبيلِ "الفَيْفاةِ" (٣). والأوّلُ أوجه؛ لأنّ باب "القِلْقال" أكثرُ من "سَلِسَ" و"قَلِقَ". فأمّا قولهم: "استأصل الله عرقاتهم"، والمراد: أَصْلَهم، فمَن فتح جعله مفردًا، وكانت الألف فيه للإلحاق بـ "هِجْرَعٍ" (٤)، ونظيرُه في الإلحاق "مِعْزًى" و"ذِفْرًى"، فيمن نوّن، والوقفُ عليه بالهاء. ومن كسر جعله جمعًا، وكانت الألف هي المصاحبةَ لتاء الجمع المؤنّث، وليست للإلحاق كالقول الأول، كأنّه جمعُ "عِرْقٍ"، فاعرفه.

[فصل [إجراء الوصل مجري الوقف]]

قال صاحب الكتاب: وقد يجري الوصل مجرى الوقف, منه قوله [من الرجز]:

مثل الحريق وافق القصبا (٥)


(١) تقدم بالرقم ٧٩٢.
(٢) تقدم بالرقم ٤٨٦.
(٣) الفيفاة: المفازة لا ماء فيها. (لسان العرب ٩/ ٢٧٤ (فيف)).
(٤) الهِجْرع: الطويل، والأحمق. (لسان العرب ٨/ ٣٦٨ (هجرع)).
(٥) تقدم بالرقم ٤٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>