للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا دخلت اللام على الماضي، فلا يحسن إلَّا أن يكون معه "قَدْ"، كقولك: "والله لقد قام زيدٌ"؛ لتقريبها له من الحال. قال الله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} (١)، وقال الله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} (٢). ويجوز: "والله لقام"، وليس بالكثير. ومنه قوله [من البسيط]:

إذًا لَقامَ بنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عند الحَفِيظَة إنْ ذُو لُوثَةٍ لاَنا (٣)

وقال امرؤ القيس [من الطويل]:

حَلَفْتُ لها باللَّهِ حَلْفَةَ فاجِرٍ ... لَنامُوا فما إنْ مِن حَدِيثٍ ولا صالِ (٤)

ولم تدخل النون مع الماضي؛ لأنّ النون في غير القسم لا تدخل إلَّا على المستقبل دون الماضي والحالِ، فإذا دخلت للقسم، فهي أيضًا للمستقبل.

وأمّا "إنَّ"، فتختصّ بالاسم، كقولك: "واللَّهِ إنّ زيدًا قائمٌ". قال الله تعالى: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (٥)، وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (٦)، وقال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (٧) بعد قوله: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} (٨). فالجواب بالفعل واقعٌ على الفعل، والجوابُ بـ "إنَّ" واقع على الخبر؛ لأنّه في معنى الفعل.

وأمّا جواب النفي، فـ "بما" و"لا"، نحو قولك: "والله ما قام زيدٌ"، و"واللَّهِ لا يقوم زيدٌ". وفي التنزيل: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (٩)، وقال سبحانه: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} (١٠)، وفيه: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} (١١). وفيه من الجواب بـ "لا" نحو قوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} (١٢)، فقوله: "لا يخرجون"، و"لا ينصرونهم" جوابُ قسم محذوف، وليسا بجواب الشرط بدليل ثبوت النون. ولو كانا جواب الشرط، لانجزما.

وأمّا حذفُ "لا" في جواب القسم، فنحو قولك: "واللَّهِ يقوم زيدٌ"، والمراد: لا يقوم, لأنّه تخفيف لا يُوقِع لَبْسًا، إذ لو كان إيجابًا، لكان بحروفه اللازمة له من اللام ونون التوكيد، وفي التنزيل: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (١٣)، أي: لا تفتأ تذكر. قال الهُذَليّ [من البسيط]:

تَاللَّهِ يَبْقَّى على الأيّام مُبْتَقِلٌ ... جَوْنُ السَّراةِ رَباعٍ سِنُّهُ غَرِدُ (١٤)


(١) يوسف: ٧٣.
(٢) يوسف:٩١.
(٣) تقدم بالرقم ١٢٩.
(٤) تقدم بالرقم ١١٩٢.
(٥) الدخان: ١ - ٣.
(٦) العصر: ١ - ٢.
(٧) العاديات: ٦.
(٨) العاديات: ١.
(٩) الأنعام: ٢٣.
(١٠) إبراهيم: ٤٤.
(١١) التوبة: ٧٤.
(١٢) الحشر: ١٢.
(١٣) يوسف: ٨٥.
(١٤) تقدم بالرقم ١٠٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>