للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة بنفسها غيرَ ملتصقة بالأخرى، فلذلك لا تلتقي الهمزتان في كلمة، وقد تلتقيان في كلمتَيْن. فمنهم من يُخفِّف الأُولى ويُحقِّق الآخرة، وهو قولُ أبي عمرو، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى: {فقد جا أشراطها} (١)، و {يَا زَكَرِيا إنَّا} (٢). ويُشبِّهون ذلك بالتقاء الساكنين، فإنّ التغيير يقع على الأوّل منهما دون الثاني، كقولك: "ذَهَبَتِ الهِنْداتُ"، و"لم يَقُمِ القومُ".

ومنهم من يُحقِّق الأولى ويُخفِّف الثانية. قال سيبويه (٣) سمعنا ذلك من العرب، وقرأ: {فقد جاء اشراطها} (٤)، و {يا زكريّاء انّا} (٥) يخفف الهمزة الثانية، فيجعلها بين بين، وتحقيقُهما جائز؛ لأنّهما منفصلتان في التقدير، ولا تلزم إحداهما الأخرى. قال الشاعر [من الرمل]:

١٢٥١ - كُلُّ غَرّاءَ إذَا ما بَرَزَتْ ... تُرْهَبُ العَيْنُ عليها والحَسَدْ

أنشده سيبويه بتليين الثانية، وجَعْلها بين بين؛ لأنّها مكسورة بعد فتحة. وممّا يُحتجّ


(١) محمد: ١٨. وهي قراءة أبي عمرو وقالون والبزي.
انظر: إتحاف فضلاء البشر ص٢٩٧.
(٢) مريم: ٧. وهي قراءة الجمهور.
(٣) الكتاب: ٣/ ٥٤٩.
(٤) محمد: ١٨. وهي قراءة قنبل وورش وغيرهما.
انظر: إتحاف فضلاء البشر ص٣٩٤.
(٥) مريم: ٧. وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وغيرهم.
انظر: إتحاف فضلاء البشر ص٢٩٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ٣٢.
١٢٥١ - التخريج: البيت بلا نسبة في الكتاب ٣/ ٥٤٩، ٥٥١.
اللغة: الغَرَّاء: البيضاء: وبرزَتْ: بدت للناظرين.
المعنى: يقول كلُّ امرأة حسناء إذا ما بدت للناظرين خيف عليها الأخذ بالعين لحسنها.
الإعراب: "كل": مبتدأ مرفوع. "غرّاء": مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف. "إذا": اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل "تُرْهب". "ما": زائدة، "برزت": فعل ماضٍ مبنى على الفتح، والتاء: للتأنيث لا محل لها، والفاعل مستتر جوازًا تقديره: هي. "ترهب": فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. "العين": نائب فاعل. "عليها": جار ومجرور متعلّقان بالفعل "تُرهب"."والحسد": الواو: حرف عطف، "الحسد": معطوف على "العين" مرفوع، وسكن لأن القافية مقيدة.
وجملة "كل غراء إذا ما برزت ترهب العين": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "إذا ما برزت ترهب العين": خبر للمبتدأ (كلُّ) محلها الرفع. وجملة "برزت": مضاف إليها محلُّها الجر. وجملة "تُرهب العينُ": جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه: تخفيف همزة "إذا" في قوله: "غراء إذا"، وجعلها بين بين, لأنها مكسورة بعد فتحة، فتجعل بين الهمزة والياء، وتحقيقها جائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>