للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّه ليس المراد بالبدل البدل الحادث مع الادّغام، وإنّما المراد البدل من غير ادّغام.

فإمّا حَصْرُ حروف البدل في العدّة التي ذكرها، فالمراد الحروف التي كثُر إبدالُها، واشتدّت، واشتهرت بذلك، ولم يُرِد أنّه لم يقع البدل في شيء من الحروف سوى ما ذكر. ولو أراد ذلك، لكان محالًا، ألا ترى أنّهم قالوا: "بُعْكوكَةٌ" (١)، وأصله "معْكُوكَةٌ" بالميم؛ لأنّه من "المعك"، وقالوا: "بَا سْمُكَ" والمراد: "ما اسمك"، فأُبدل من الميم الباء. وقالوا في الدِّرع: "نَثْرَةٌ"، وأصله "نَثْلَةٌ"؛ لقولهم: "نَثَلَ عليه دِرْعَهُ"، وقالوا: "اسْتخَذَ"، وأصله: "اتَّخَذَ" في أحد القولَين, فأبدلوا من التاء الأولى السين.

وقالوا: "عَن زيدًا قائمٌ" في "أنَّ زيدًا قائمٌ"، وأنشدوا [من الطويل]:

فعَيناكِ عَيناها وجِيدُكِ جِيدُها ... سِوَى عَنَّ عظمَ الساقِ منكِ دَقِيقُ (٢)

فبان بما ذكرتُه أنّ البدل لا يختصّ بالحروف التي ذكرها، بل قد يجيء في غيرها على ما ذكرتُ لك، وإنّما وسموا بحروف البدل ما اطّرد إبداله وكثر.

وبعضُهم يُسْقِط السينَ واللامَ، ويعدّها أحد عشر حرفًا: ثمانيةً من حروف الزيادة، وهي ما عدا السين واللام، ويضيف إليها الجيم والطاء والدال. وبعضُهم يعدّها اثني عشر، ويضيف إليها اللام. وكان الرُمّانيّ يعدّها أربعة عشر حرفًا، ويضيف إليها الصاد والزاي؛ لقولهم: "الصِّراط"، و"الزَّراط"، وقد قُرِىء بهما (٣)، والأوّل المشهور، وهو رأي سيبويه (٤).

[فصل [إبدال الهمزة]]

قال صاحب الكتاب: فالهمزة أُبدلت من حروف اللين, ومن الهاء والعين, فإبدالها من حروف اللين على ضربين: مطردٌ, وغير مطرد, والمطرد على ضربين: واجب وجائز, فالواجب إبدالها من ألف التأنيث في نحو: "حمراء" و"صحراء"، والمنقلبة لاماً في نحو: "كساءٍ" و"رداءٍ" و"علباءٍ"؛ أو عيناً في نحو "قائلٍ", و"بائعٍ"، ومن كل واو


(١) بعكوكة القوم: آثارهم حيث نزلوا، أو جماعتهم، وكذلك هي من الإبل.
وبُعكوكة الناس: مجتمعهم. وبعكوكة الشّرّ: وسطه. (لسان العرب ١٠/ ٤٠١ (بعكل)).
(٢) تقدم بالرقم ١١٢١.
(٣) انظر: البحر المحيط ١/ ٢٥؛ وتفسير القرطبي ١/ ١٤٨؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ١١.
(٤) الكتاب ٤/ ٤٧٨، ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>