للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "العِلْباء"، فهو عَصَبُ العنق، وهما عِلباوانِ بينهما مَنْبِتُ العُرْف، فالهمزةُ فيه زائدة؛ لقولهم: "عَلِب البعيرُ"، إذا أخذه داءٌ في جانبَيْ عنقه، و"بعيرٌ معلَّبٌ" موسومٌ في علبائه. والحقُّ أن الهمزة بدلٌ من الألف. ومثلُه: "حِرْباءٌ" و"عِزهاءٌ"، الأصلُ: "عِلبايٌ"، و"حِرْبايٌ"، و"عِزْهايٌ"، ثمّ وقعت الياء طرفًا بعد ألف زائدة للمدّ، فقُلبت ألفًا، ثمّ قُلبت الألف هْمزةً كما تقدّم في "كساء" و"رداء". والذي يدلّ على أنّ الأصل في "حرباء". "حربايٌ"، وفي "علباء": "علبايٌ" بالياء، دون أن يكون "علباوًا" بالواو، أنّ العرب لمّا أَنثت هذا الضرب بالتاء، فأظهروا الحرفَ، لم يكن إلّا بالياء، وذلك نحو: "دِرْحايَةٍ"، و"دِعْكايَةٍ" وهو القصير السمين، فصحّت الياء عند لحاق تاء التأنيث، كما صحّت في نحو: "الشَّقاوة"، و"العَباية". وذلك أنّ هاء التأنيث قد حصّنت الواوَ والياء عن القلب والإعلال؛ لأنّهم يقلبونهما إذا كانتا طرفًا ضعيفتين. فأمّا إذا تحصّنتا وقويتا بوقوع الهاء بعدهما لم يجب الإعلالُ.

وأمّا "قائلٌ" و"بائِعٌ"، فالهمزة فيهما بدلٌ من عين الفعل وما قبله، فالهمزه فيه بدلٌ من اللام، فالأصلُ فيهما: "قاوِلٌ" و"بايعٌ"، فأُريد إعلالُهما لاعتلال فعلَيْهما. والإعلالُ يكون إمّا بالحذف أو بالقلب، فلم يجز الحذفُ؛ لأنه يُزيل صيغةَ الفاعل، ويصيّره إلى لفظ الفعل. ولا يكفى الإعرابُ فاصلًا بينهما؛ لأنه قد يطرأ عليه الوقفُ، فيزيله، فيبقى الالتباسُ على حاله، وكانت الواو والياء بعد ألف زائدة وهما مُجاوِرتا الطرفِ، فقُلبتا همزةً بعد قلبها ألفًا على حد العمل في "كساء" و"رداء". وكما قلبوا العين في "صُيَّم"، و"قُيَّم" تشبيهًا بـ "عصِيّ" و"حُقِيِّ". والذي يدل أنّ الإعلال ههنا إنّما كان لاعتلال الفعل أنّه إذا صحّت الواو والياء في الفعل، صحّتا في اسم الفاعل، نحو: "عاوِرٌ". ألا تراك تقول: "عاوِرٌ"، و"حاولٌ"، و"صايِدٌ"؛ لقولك في الفعل: "عَوِرَ"، و"حَوِلَ"، و"صَيِدَ"؟

فأمّا إبدالها من الواو، ففي الواقعة أوّلًا مشفوعةً بأخرى لازمةٍ، نحو: "أَواصِلَ"، و"أَواقٍ"، والأصلُ: "وواصِلُ"، و"وَواق"، والعلّةُ في ذلك أنّ التضعيف في أوائل الكلم قليلٌ، وإنّما جاء منه ألفاظٌ يسيرةٌ من نحو: "دَدَنٍ". وأكثرُ ما يجيء مع الفصل، نحو: "كَوكَبٍ"، و"دَيْدَنٍ". فلمّا ندر في الحروف الصِّحاح، امتنع في الواو لثقلها مع أنّها تكون مُعرَّضة لدخول واو العطف، وواوِ القسم، فيجتمع ثلاثُ واوات، وذلك مستثقَلٌ، فلذلك قالوا في جمع "واصِلةٍ": "أواصِلُ". قال الشاعر [من الخفيف]:

ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالت ... يا عَدِيًّا لقد وَقَتْكَ الأوَاقِي

وكذلك لو بنيتَ من "وَعَدَ" و"وَزَنَ" مثلَ: "جَوْرَبٍ"، و"دَوْكَسٍ"، لقلت: "أَوْعَدٌ"، و"أَوْزَنٌ". ولو سمّيت بهما، لانصرفا في المعرفة؛ لأنّهما "فَوْعَلٌ" كـ"كَوْثَرٍ" و"جَوْهَرٍ"،

<<  <  ج: ص:  >  >>