للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: إذا جمعتَ نحو: "مَقامة"، و"مَباعة"، و"مَقام", و"مَباع"، وكذلك "مَعاش" و"مَعُونة"، لم تُعِل الواو والياء بقلبهما همزة كما قلبت ألفَ "رِسالة"، وواوَ "عَجُوز"، وياء "صحيفة"، فقلت: "رَسائِلُ"، و"عَجائِزُ"، و"صَحائِفُ" بالهمزة، فتقول في جمع "مَقامة": "مَقاوِمُ"، وفي جمع "مَباعة": "مَبايعُ"، وفي جمع "مَعِيشة": "مَعايِشُ". كل ذلك بغير همزة وإن كان الواحد معتلاًّ. قال الشاعر [من الطويل]:

وإنى لَقَوَّامٌ مَقاوِمَ لم يكن ... جَرِيرٌ ولا مَوْلَى جَرِيرٍ يَقُومُها (١)

وذلك لأنّهم إنّما أعلّوا الواحد, لأنّهم شبّهوه بـ "يَفْعَلُ". فلمّا جمعوه، ذهب شَبَهُه، فردّوه إلى أصله. ووجهُ شبه "مَقام" و"مَباع" بـ "يَفعَل" أَنَّ أصلهما: "مَقْوَم"، و"مَبْيَع"، فجريا مجرى "يَخاف" و"يَهاب" اللذين أصلُهما "يَخْوَف"، و"يَهْيَب"، فأعلّوهما، لأنّهما جاريان على الفعل، وهما بزنته، وقد تقدّم بيان ذلك. فلمّا جُمعا بَعُدَا عن الفعل، لأنّ الفعل لا يُجمع، وزال البناء الذي ضارَعَ به الفعلَ، فصَحَّ، فظهرت ياؤُه وواوُه، فقيل: "مَقاوِم"، و"مَبايع".

وقوله: "إنّما الألف والواو والياء في وحدانه مدّات لا أصل لهنّ في الحركة" يريد أنّ ألف "رسالة"، وواو"عجوز"، وياء "صحيفة" زوائد للمدّ لا حظّ لهنّ في الحركة بخلافِ ما تقدّم من "مَقامة"، و"مَعُونة"، و"معيشة"، فإنّ حروف العلّة فيهنّ عيناتٌ، وأصلهن الحركةُ، فلمّا احتيج إلى تحريكهنّ في الجمع، رُدّت إلى أصلها، واحتملت الحركةَ؛ لأنّها كانت قويّة في الواحد بالحركة؛ فأمّا قراءة أهل المدينة {مَعائِشُ} (٢) بالهمز، فهي ضعيفة، وإنّما أُخذت عن نافع، ولم يكن قَبًّا (٣) في العربيّة.

وقالت العرب: "مَصائِبُ" بالهمزة. قال الجوهريّ: كل العرب تهمزه، لأنّهم تَوهّموا أنّ "مُصِيبَةٌ" "فَعِيلَةُ"، فهمزوها حين جمعوها، كما همزوا جمع "سَفِينَةٍ"، فقالوا: "سَفائِنُ"، أو يكونون شبّهوا الياء في "مصيبة" بياء "صَحِيفة"، إذ كانت مبدلةً من الواو، وهي غير أصل، كما أنّ ياء "صحيفة" غير أصل، والقياسُ: "مَصاوِبُ"، لأنّ أصلها الحركةُ.

وكان أبو إسحاق الزجّاج يذهب إلى أنّ الهمزة في "مصائب" منقلبةٌ عن الواو


(١) تقدم بالرقم ١٣٤٠.
(٢) الأعراف: ١٠.
وهي أيضًا قراءة ابن عامر والأعمش وغيرهما.
انظر: البحر المحيط ٤/ ٢٧١؛ وتفسير الطبري ١٢/ ٣١٦؛ وتفسير القرطبي ٧/ ١٦٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٣٤٥.
(٣) القبّ: الرئيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>