للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصوابُ ما ذكره سيبويه (١) وأصحابُه من أنّ حروف المعجم تسعة وعشرون حرفًا، أوّلُها الهمزة، وهي الألف التي في أوّل حروف المعجم: وهذه الألفُ هي صورتُها على الحقيقة، وإنّما كُتبت تارةً واوًا وياءً أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف، ولو أريد تحقيقُها, لم تكن إلَّا ألفًا على الأصل، ألا ترى أنّها إذا وقعت موقعًا لا تكون فيه إلَّا محقّقةً، لا يمكن فيه تخفيفُها، وذلك إذا وقعت أوّلًا، لا تُكتب إلَّا ألفًا، نحو: "أَعْلَمُ"، "اِذْهَبْ"، "اخرِجُ"، وفي الأسماء "أَحْمَدُ"، "إبْرَاهِيمُ"، "أُتْرُجَّة". وذلك لمّا وقعت أوّلًا، لم يمكن تخفيفها لقربها من الساكن، فكما لا يُبتدأ بساكن، كذلك لا يُبتدأ بما قرب منه.

وأمر آخرُ يدلّ أنّ صورة الهمزة صورةُ الألف أنّ كلّ حرف سمّيتَه، ففي أوّل حروف تسميته لفظُه بعينه، ألا ترى أنّك إذا قلت: "ياءٌ" ففي أوّل حروفه ياءٌ, وإذا قلت: "تاءٌ" ففي أوّل حروفه تاءٌ, وكذلك جيمٌ ودال وسائر حُروف المعجم، فكذلك إذا قلت: "أَلِفٌ" فأوّلُ الحروف التي نطقتَ بها همزةٌ، فدلّ ذلك أنّ صورتها صورةُ الألف. فأمّا الألف الليّنة التي في نحو: "قَالَ"، و"بَاعَ"، فإنّها مدّةٌ لا تكون إلَّا ساكنةً، فلم يمكن تسميتُها على منهاج إخواتها؛ لأنّه لا يمكن النطقُ بها في أوّل الاسم، كما أمكن النطقُ بالجيم والدال وغيرِهما، فنطقوا بها البتّة، ولم يمكن النطقُ بها منفردةً، فدعموها باللام؛ ليصحّ النطقُ بها، كما صحّ بسائر الحروف غيرِها.

وقد يلحق هذه الحروفَ التسعة والعشرين ستّةٌ أخرى تتفرّع منها، فتصير خمسة وثلاثين حرفًا، فهذه الستّةُ فصيحةٌ يؤخَذ بها في القرآن وفصيح الكلام، وهي النون الخفيفة، ويقال: "الخفيّة"، والهمزة المخفّفة، وهي همزةُ بين بين، وألفُ التفخيم، وألفُ الإمالة، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي. وإنّما كانت هذه الحروف فروعًا؛ لأنّهن الحروفُ التي ذكرناها لا غيرُهنّ، ولكن أُزلْن عن معتمَدهنّ , فتغيّرت جروسُهنّ، والمرادُ بها ما ذكرنا.

فالنونُ الخفيفة المراد بها الساكنة في نحو: "مِنْكَ" و"عَنْكَ"، فهذه النونُ مخرجُها من الخيشوم، وإنّما يكون مخرجها من الخيشوم مع خمسةَ عشرَ حرفًا من حروف الفم، وهي القاف، والكاف، والجيم، والشين، والصاد، والضاد، والسين، والزاي، والطاء، والظاء، والدال، والتاء، والذال، والثاء، والفاء، فهي متى سكنت، وكان بعدها حرفٌ من هذه الحروف، فمخرجُها من الخيشوم، لا عِلاجَ على الفم في إخراجها. ولو نطق بها الناطقُ مع أحد هذه الحروف، وأمسك أنفَه، لَبان اختلالُها. وإن كانت ساكنة، وبعدها حرفٌ من حروف الحلق الستة، فمخرجُها من الفم من موضع الراء واللام،


(١) الكتاب ٤/ ٤٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>