للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشين والضاد, لأنّ الضاد استطالت برخاوتها في نفسها حتى خالطت طرفَ اللسان. وكذلك الشينُ للتفشّي الذي فيها خالطت طرفَ اللسان، فالأحدَ عشرَ حرفًا منها متناسبةٌ، وهي الطاء، والتاء، والدال، والصاد، والسين، والزاي، والظاء، والثاء، والذال. وأمّا الرّاء والنون، فهما أقربُ إلى اللام، وقد بيّنّا حالَ الشين والضاد. فهذه ثلاثة عشر حرفًا تدغم لامُ المعرفة فيها, ولا يجوز تركُ الادغام معها؛ لاجتماع ثلاثة أسباب تدعو إلى الادغام، منها المقاربةُ في المخرج؛ لأنّها من حروف طرف اللسان، ومنها كثرة لام المعرفة في الكلام. ومنها أنّها تتّصل بالاسم اتصالَ بعض حروف، لأنّه لا يوقَف عليها، فلهذا لزم الادغامُ فيها.

وأمّا ما عدا لامَ المعرفة، فيجوز ادغامُها في هذه الأحرف، ولا يلزم. وبعضُها أقوى من بعض في الادغام، والحروفُ التي يكون الادغامُ فيها أقوى هي الأقربُ إلى اللام، وأقواها الراء في نحو: "هل رأيت" ونحوه؛ لأنّها أقربُ إليها من سائر أخواتها، وأشبهُها بها، فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من مخرج واحد، إذ هي من طرف اللسان لا عملَ الثنايا فيها. فإن لم تدّغم، جاز، وهي لغةٌ لأهل الحجاز عربيةٌ جيدةٌ، هكذا قال سيبويه (١). وهو مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والشين جائزٌ، وليس ككثرته مع الراء؛ لأنَّهنّ قد تراخين عنها. وهنّ من الثنايا.

وجوازُ الادغام على أن آخِر مخرج اللام قريبٌ من مخرجها، وهي حروف طرف اللسان، وهو مع الظاء والثاء والذال جائزٌ، وليس كحُسْنه مع هؤلاء؛ لأنّ هذه الحروف من أطراف الثنايا متصعّدةٌ إلى أصول الثنايا العُلْيا حتى قاربت مخرجَ الفاء واللامُ مستفِلةٌ، فبعُدت منها بهذا الوجه.

ويجوز الادغامُ؛ لأنّهنّ من الثنايا كما أنّ الطاء غير المعجمة وأخواتها من الثنايا، وطرف اللسان.

وهي مع الضاد والشين أضعفُ؛ لأنّ الضاد مخرجُها من أوّل حافة اللسان، والشين من وسطه، ولكنّه يجوز ادغامُ اللام فيهما لما ذكرتُ لك من اتّصال محرجَيْهما، فأجودُ أحوالها في الادغام أن تدغم في الراء لما ذكرناه من تقارُبهما في المخرج؛ وأمّا اللام مع النون فهو أضعف من جميع ما ادُّغمت فيه اللام، وذلك أنّ النون تدغم في أحرفِ ليس شىء منها يدغم في النون إلّا اللامُ وحدَها، فاستوحشوا من إخراجها عن نظائرها. قال سيبويه (٢): وادغامُ اللام في النون أقبحُ من جمع هذه الحروف؛ لأنّها تدغم في اللام كما تدغم في الياء والواو والراء والميم، فلم يجترئوا على أن يُخْرِجوها من هذه الحروف التي شركتْها في ادغام النون، وصارت كإحداها.


(١) الكتاب ٤/ ٤٥٧.
(٢) الكتاب ٤/ ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>