للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنّ الراء تدغم في مثلها؛ لأنّ مَعْدِنهما واحد، وجَرُسهما واحد، كقولك: "اذْكُر رَّاشِدًا" ولا تدغم الراء إلّا فى مثلها, ولا تدغم في غيرها؛ لئلّا يذهب التكريرُ الذي فيها بالادغام. ألا ترى أنّك تقول في الوقف: "هذا عَمْرو"، فينبو اللسانُ نَبْوَةً، ثمّ يعود إلى موضعه. فلو ادُّغم في غيره ممّا ليس فيه ذلك التكريرُ، لذهب تكريرُه بالادغام.

واختلف النحويون في ادغام الراء في اللام، فقال سيبويه وأصحابه (١): لا تدغم الراء في اللام، ولا في النون، وإن كنّ متقارباتٍ؛ لما في الراء من التكرير، ولتكريرها تُشبَّه بحرفين. ولم يخالف سيبويه أحدٌ من البصرين في ذلك، إلّا ما رُوي عن يعقوب الحَضْرَمىّ أنّه كان يدغم الراء في اللام في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَغْفِرْ لَكُمْ} (٢). وحكى أبو بكر بن مجاهِد عن أبي عمرو أنّه كان يدغم الراء في اللام ساكنةً كانت الراء أو متحركةً، فالساكنةُ نحو قوله تعالى: {فَاغْفِرْ لَنَا} (٣)، و {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (٤)، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (٥)، وما كان مثله. والمتحركةُ قوله: {سَخَّرَ لَكُمْ} (٦)، و {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (٧). وأجاز الكسائيّ والفرّاء ادغامَ الراء في اللام. والحجّة في ذلك أنّ الراء إذا ادُّغمت في اللام، صارت لامًا. ولفظُ اللام أسهلُ وأخفُّ من أن تأتى براءٍ فيها تكريرٌ وبعدها لامٌ، وهي مقاربةٌ للفظ الراء، فيصير كالنطق بثلاثة أحرف من موضع واحد. قال أبو بكر بن مجاهد لم يقرأ بذلك أحدٌ عَلِمْناه بعد أبي عمرو سواه، فاعرفه.

فصل [ادّغام النون]

قال صاحب الكتاب: والنون تدغم في حروف "يَرْمُلُونَ", كقولك: "من يَّقول"، و"من راشدٍ", و"من محمدٍ"، و"من لَّكَ"، و"مَن وَّاقِدٌ", و"من نُّكرمُ". وادّغامها على ضربين: ادّغامٌ بغنةٍ, وبغير غنة.

* * *

قال الشارح: النون تدغم في هذه الحروف الستة التي يجمعها "يرملون". فأمّا ادغامها في مثلها، فلا إشكال فيه؛ وأمّا الخمسة الباقية - وهي الراء، واللام، والميم، والياء، والواو- فلأنّها مقاربةٌ لها في المنزلة الدُّنْيَا من غير إخلال بها. وادغامُها في الراء واللام أحسنُ من البيان لفرط الجوار، وذلك نحو: "مَن لَّكَ"، و"مِن رَّاشِدٍ"، والبيانُ


(١) الكتاب ٤/ ٤٤٨.
(٢) الأحقاف: ٣١.
(٣) آل عمران: ١٦.
(٤) التوبة: ٨٠.
(٥) الصف: ١٢.
(٦) الحج: ٦٥.
(٧) هود: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>