للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبرُ "إنَّ" وأخواتِها

[فصل]

قال صاحب الكتاب: "هو المرفوع في نحوِ قولك: "إنّ زيدًا أخوك"، و"لَعَلَّ بِشْرًا صاحبُك"، وارتفاعُه عند أصحابنا (١) بالحرف، لأنه أشبهَ الفعلَ في لُزومه الأسماءَ، والماضِيَ منه في بِنائه على الفتح، فأُلحق منصوبُه بالمفعول ومرفوعُه بالفاعل، ونُزّل قولك: "إنّ زيدًا أخوك" منزلةَ "ضَرَبَ زيدًا أخوك"، و"كأنّ عمرًا الأسدُ" منزلةَ "فَرَسَ عمرَا الأسدُ"، وعند الكوفيين (٢) هو مرتفعٌ بما كان مرتفعًا به في قولك: "زيدٌ أخوك"، ولا عَمَلَ للحرف فيه".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ هذه الحروِف، وهي "إنَّ" وأخواتُها وهي ستّةٌ: "إنَّ"، و"أنَّ"، و"لَكِنَّ"، و"لَيْتَ"، و"لَعَلَّ"، و"كَأَنَّ" من العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، فتنصِب ما كان مبتدأَ وترفع ما كان خبرًا، وإنما عمِلتْ لشَبَهها بالأفعال، وذلك من وُجوهٍ: منها اختصاصُها بالأسماء كاختصاصِ الأفعال بالأسماء، الثاني أنّها على لفظِ الأفعال، إذ كانت على أكثرَ من حرفَيْن كالأفعال، الثالُث أنها مبنيةٌ على الفتح كالأفعال الماضيةِ، الرابعُ أنها يتصل بها المضمرُ المنصوبُ، ويتعلّق بها كتعلُّقه بالفعل من نحوِ "ضَرَبِكَ" و"ضَرَبَهُ" وَ"ضَرَبَنِي"، فلمّا كانت بينها وبين الأفعال ما ذكرنا من المشابهة، كانت داخلةً على المبتدأ والخبر. وهي مقتضيةٌ لهما جميعًا، ألا ترى أنّ "إنَّ" لتأكيدِ الجملة، و"لَكِن" للاستدراك، فلا بدّ من الخبر لأنّه المستدركُ، ولا بدّ من المبتدأ ليُعْلَم خبرُ مَنْ قد استدرك. و"لَيْتَ" في قولك: "ليت زيدًا قادمٌ" تَمن لقُدومِ زيد. و"لَعَلَّ" تَرَجِّ، و"كَأَنَّ" تقتضي مشبهًا ومشبَّهًا به، فلمّا اقتضتْهما جميعًا، جرت مجرَى الفعل المتعدي، فلذلك نصبتِ الاسمَ، ورفعتِ الخبرَ، وشُبّهت من الأفعال بما قُدّم مفعولُه على فاعله. فقولُك: "إنّ زيدًا قائمٌ" بمنزلةِ "ضرَبَ زيدًا رجل". وإنّما قُدّم المنصوب فيها على المرفوع فَرْقَا بينها وبين الفعل، فالفعلُ من حيثُ كان الأصلَ في العمل جرى على سَنَنٍ


(١) يريد بأصحابه البصريين. وانظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ص ١٧٦ - ١٨٥.
(٢) انظر المصدر نفسه، ص ١٧٦ - ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>