للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُستعمل إظهار فعله وإضماره، وما لا يستعمل إظهار فعله، وما لا فعل له أصلاً. وثلاثتها تكون دعاء وغير دعاء, فالنوع الأول قولك للقادم من سفره: "خير مقدم", ولمن يقرمط في عداته: "مواعيد عرقوب" (١) , وللغضبان: "غضب الخيل على اللجم" (٢) , ومنه قولهم: "أو فرقًا خيرًا من حُبّ" (٣) بمعني "أو أفرقك خيرًا من حبّ"".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم من قولنا أنّ المصدر ينتصب بالفعل، وهو أحدُ المفعولات. وقد يُحْذفَ فعله لدليلِ الحال عليه. وهو في قولك على ثلاثة أضرب: منها ضربٌ يُحْذَف فعله ويجوز ظهوره، فأنتَ فيه بالخيار، إن شئتَ أظهرتَه وإن شئت أضمرتَه. وضربٌ لا يجوز استعمال فعله، ولا إظهارُه. وضربٌ ليس له فعلٌ ألبتّة. فالضرب الأوّل، نحو قولك لمن لَقِيتَه وعليه وَعْثاء السَّفَر، ومعه آلتُه، فعلمتَ أنّه آئبٌ من سفره، فقلت: "خيرَ مَقْدَم أي: قدِمتَ خير مقدم، فـ "خيرَ" منصوبٌ على المصدر لأنّه أَفْعَلُ، وإنَّما حُذفت ألفه تخفيفًا، و"أفعل" بعضُ ما يضاف إليه، فلمّا أضفته إلى مصدر صار مصدرًا، ومن ذلك إذا رأيتَ رجلًا يَعِدُ ولا يَفِي قلت: "مَواعِيدَ عُرْقُوب أي: وعدتَني مواعيدَ عرقوب، فهو مصدرٌ منصوبٌ بـ"وَعَدْتَنِي"، ولكنه تُرِك لفظه استغناء عنه بما فيه من ذكرِ الخُلْف، واكتفاء بعلم المخاطب بالمراد. قال الشَّمّاخ [من الطويل]:

وواعَدْتني ما لا أُحاوِلُ نَفْعَهُ ... مَواعِيدَ عُرْقُوبٍ أخاهُ بيَترَبِ

ويُروى للأشجَعيّ:

١٥٦ - وعدتِ وكان الخُلْفُ منكِ سَجِيَّةً ... مَواعِيدَ عرقوبٍ أخاه بيَترَبِ


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في ثمار القلوب ص ١٣١؛ وجمهرة الأمثال ١/ ٤٣٣؛ وجمهرة اللغة ص ١٧٣، ١١٢٣، ١١٩٨؛ والدرّة الفاخرة ١/ ١٧٨؛ والفاخر ص ١٣٣؛ وفصل المقال ص ١١٣؛ وكتاب الأمثال ص ٨٧؛ ومجمع الأمثال ٢/ ٣١١.
(٢) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في كتاب الأمثال لمجهول ص ٧٩.
(٣) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في زهر الأكم ٢/ ١١٩؛ والفاخر ص ٢٩٦؛ ولسان العرب ١/ ٤٢٣ (رغب)، ١٠/ ٣٠٤ (فرق)؛ ومجمع الأمثال ١/ ٢٤٨، ٢/ ٧٦، ٧٧.
١٥٦ - التخريج: نسب البيت لأكثر من شاعر، فهو لابن عبيد الأشجعي في خزانة الأدب ١/ ٥٨؛ وللأشجعي في لسان العرب ١/ ٢٣١ (ترب)، ٥٩٥ (عرقب)؛ ولعلقمة في جمهرة اللغة ص ١١٢٣؛ وللشماخ في ملحق ديوانه ص ٤٣٠؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٤٣؛ وللشماخ أو للأشجعي في الدرر ٥/ ٢٤٥؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٧٣، ٢٥٣، ١١٩٨؛ والكتاب ١/ ٢٧٢؛ والمقرب ١/ ١٣١ (وراجع ديوان الشماخ ص ٤٣٠ - ٤٣٢).
اللغة: الخلف: عدم إنجاز الوعد. السجيّة: الطبع. عرقوب: رجل يضرب به المثل في خلف المواعيد. يترب: موضع باليمامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>