للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ يسِّر ولا تُعسِّر، ربِّ زِدْني علْمًا

أحَمدُ الله الذي بدأ بالإحسان" وأحسنَ خَلْقَ الإنسان، واختصّه بنُطْقِ اللّسان، وفَضِيلةِ البَيان، وجعل له من العقل الصحيح، والكلامِ الفصيح، مُنْبِئًا عن نفسه، ومُخْبِرًا عمّا وَراء شَخْصه، وصلى اللهُ على محمّد خاتم أَنبيائه، ومُبلِّغ أَنْبائه، وعلى آله وأصحابه وأصفيائه. بعدُ، فلمّا كان الكتابُ الموسومُ بالمُفَصَّل من تأليف الإِمام العلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمَخشريِّ، رحمه الله، جليلاً قَدْرُه، نابهًا ذكْرُه، قد جمعت أصولَ هذا العلم فصولُه، وأُوجِز لفظُه، فتَيسَّر على الطالب تحصيلُه، إلاَّ أنّه مشتملٌ على ضروب منها لفظٌ أَغْرَبَتْ (١) عِبارتُه فأَشْكَل، ولفظٌ تتجاذبُه معانٍ، فهو مُجْمَل، ومنها ما هو بادٍ للأَفهام إلاَّ أنه خالٍ من الدليل مُهْمَل، استخرتُ الله تعالى في إملاءِ كتاب أشرَحُ فيه مُشْكِلَه، وأُوضِحُ مُجْمَلَه، وأُتبع كلَّ حكم منه حُجَجَه وعِلَلَه.

ولا أَدَّعِي أنه، رحمه الله، أَخَل بذلك تقصيرًا عمّا أتيتُ به في هذا الكتاب؛ إذ من المعلوم أنّ مَنْ كان قادرًا على بلاغةِ الإيجاز، كان قادرًا على بلاغةِ الإطناب؛ قال الخليل بن أحمد، رحمه الله: "من الأبواب ما لو شِئنا أن نشرحَه حتّى يستوِي فيه القويُّ والضعيفُ، لَفَعَلْنالأولكنْ يجِب أن يكون للعالم مَزِيَّةٌ بعدَنا".

وكنتُ ابتدأتُ بهذا الكتاب، ثمّ عَرَض دون إتمامه عِدَّةُ موانعَ، منها اعتراضُ الشواغل، ومنها ما أحدثته السبعون بين القَلَم والأَنامل، ومنها أن الزمان فسد حتى علا باقِلُه (٢) على درجة قُسٍّ (٣)، وانحطّ قسُّه عن درجة باقلٍ؛ فلمّا شرّف الله هذا العَصْرَ


(١) في طبعة ليبزغ "أغرب"، وكلاهما جائز.
(٢) بأقل: رجل من إياد. يضرب به المثل في العيّ.
انظر: الألفاظ الكتابية ص ٢٨١؛ وثمار القلوب ص ١٠٢؛ وجمهرة الأمثال ٢/ ٧٢؛ والحيوان ١/ ٣٩؛ والدرّة الفاخرة ١/ ٢٩٨؛ وزهر الأكم ١/ ٨٠؛ والعقد الفريد ٣/ ٧٠؛ وكتاب الأمثال ص ٣٦٨؛ ولسان العرب ١٥/ ١١٣ (عيا)؛ والمستقصى ١/ ٢٥٦؛ ومجمع الأمثال ٢/ ٤٣؛ والوسيط في الأمثال ص ٧١.
(٣) هو قسّ بن ساعدة بن عمرو الإياديّ، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهليَة. يُضرب به المثل في البيان والخطابة. انظر: تمثال الأمثال ١/ ١١١؛ وثمار القلوب ص ١٢٧؛ وجمهرة الأمثال ١/ ٢٤٩؛ والدرّة الفاخرة ١/ ٩١؛ والمستقصى ١/ ٢٩؛ ومجمع الأمثال ١/ ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>