للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أَهَنتَ زيدًا" بإهانتك أخاه، و"أكرمت عمرًا" إذا أوصلتَ الإكرامَ إلى غيره بسَبَبه. فإذا قلت: "زيدًا ضربتُ أخاه"، فنصبت "الأخ"، جاز أن تضمر فعلاً ينصب "زيدًا"، تقديره: "لابستُ زيدًا ضربتُ أخاه"، أو "أهنتُ زيدًا ضربتُ أخاه"، ولا تُضْمِر "ضربت" لأنّ "ضربت" الثاني ليس واقعًا على ضميره، وإنّما هو واقع على "الأخ". والنصبُ ها هنا أضعفُ منه في "مررت بزيد". وإذا ضعُف النصب قوِي الرفعُ، فإذًا الرفعُ في "زيدٌ لقيتُ أخاه" أقوى من الرفع في قولك "زيدٌ مورتُ به" والرفعُ في قولك: "زيد مررت به" أقوى من الرفع في قولك: "زيد ضربته".

قال سيبويه (١): النصبُ عَرَبىٌّ جيّدٌ، والرفعُ أجودُ منه. يعني أنّ النصب في "زيدًا ضربته" عربيّ فصيح في كلام العرب، والرفع أجود لأنّ الرفع لا يفتقر إلى إضمارٍ، ولا تقدير محذوف، والنصبُ يفتقر إلى إضمارِ فعلٍ، وفاعلٍ، فاعرفه.

[فصل]

قال صاحب الكتاب: "ثم إنك ترى النصب مختاراً ولازماً. فالمختار في موضعين: أحدهما أن تعطف هذه الجملة على جملةٍ فعلية, كقولك: "لقيت القوم حتى عبد الله لقيته"، و"رأيت عبد الله وزيداً مررت به". وفي التنزيل: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً} (٢). ومثله: {فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة} (٣) ".

* * *

قال الشارح: يريد أنّ المسائل التي تقدّمت، وهي "زيدٌ ضربته"، و"عمرٌو مررت به"، و"زيدٌ ضربت أخاه"، المختارُ فيها الرفعُ، ثم يعرِض في هذا الباب أمورٌ يصير النصبُ بها مختارًا ولازمًا لا يجوز غيره.

قال: فالمختار في موضعين: أحدهما أن تعطف هذه الجملة على جملة فعليّة الخ، وذلك لأن العرب تختار مطابَقةَ الألفاظ ما لم تُفْسِد عليهم المعاني، فإذا جئت بجملةٍ صدّرتَها بفعل، ثمّ جئت بجملة أُخرى معطوفةٍ على الجملة الأولى، وفيها فعلٌ، كان الاختيارُ تقدير الفعل في الجملة الثانية، وبناءَ الاسم عليه، سواءَ ذكرتَ في الجملة الأولى منصوبًا أو لم تذكره، نحو: "قام زيدٌ وعمرًا كلَّمتُه"، إذ الغرضُ توافُق الجُمَل وتطابُقُها لا تختلف، وليس الغرضُ أن يكون فيها منصوبٌ.

قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} (٤)، فرفع "القمر" ها هنا؛ لأن قبلة {وَآيَةٌ


(١) الكتاب ١/ ٨٢. وفيه: "فالنصب عربيّ كثير، والرفع أجود".
(٢) الإنسان: ٣١.
(٣) الأعراف: ٣٠.
(٤) يس: ٣٩. وهي قراءة نافع وابن كثير وابن محيصن وغيرهم. انظر: البحر المحيط ٧/ ٣٣٦؛ تفسير الطبري ٢٣/ ٥؛ والكشاف ٢/ ٢١٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٥/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>