للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينئذٍ من قبيلِ إضافةِ المصدر إلى الفاعل، نحو قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (١) ونحو قوله [من الكامل]:

طَلَبَ المعقِّب حَقَّهُ المَظْلومُ (٢)

وإنّما امتنعت الإضافةُ إلى الظرف، لأنّ معنى الظرف ما كانت فيه "في" مقدَّرةٌ محذوفةً، فإذا صرّحنا بـ "فِي"، أو بغيرها من حروف الجرّ، فقد زال عن ذلك المنهاج. وإذا أضفنا إليه، فقد صارت الإضافة بمنزلةِ حروف الجرّ، فخرج من أن يكون ظرفًا فاعرفه.

[فصل [حذف عامله]]

قال صاحب الكتاب: "وينصب بعامل مضمر, كقولك في جواب من يقول لك: "متى سرت": "يوم الجمعة", وفي المثل السائر: "أسائر اليوم وقد زال الظهر" (٣).

ومنه قولهم لمن ذكر أمراً قد تقادم زمانه: "حينئذٍ الآن"، أي كان ذلك حينئذٍ, واسمع الآن. ويضمر عامله على شريطة التفسير كما صنع في المفعول به, تقول: "اليوم سرت فيه", و"أيوم الجمعة ينطلق فيه عبد الله" مقدراً: "سرت اليوم", و"أينطلق يوم الجمعة"".

* * *

قال الشارح: لمّا كان الظرف أحد المفعولات كان حُكْمُه حكمَ المفعول، فكما أنّ المفعول به ينتصب بعامل مضمر لدلالة قَرِينة حاليّةٍ، أو لفظيّةٍ على ما مضى شَرْحُه، فكذلك الظرفُ قد يُضمَر عامله إذا دلّ الدليلُ عليه. فمن ذلك قولك في جوابِ من قال لك: "متى سِرْتَ "؟ فتقول: "يومَ الجمعة"، وذلك أنّ "مَتَى" ظرفٌ في موضع نصب بـ "سِرْتَ"، فوَجَبَ أن يكون الجوابُ منصوبًا إذا اختِير أن يكون الجوابُ على حدّ السؤال. ولا يكون منصوبًا بـ "سِرْتُ" هذه الظاهرةِ، لأنّها قد اشتغلت بـ "مَتَى"، ولا يكون للفعل الواحد ظَرْفَا زمان، فوجب أن يكون منصوبًا بـ "سِرْتَ" أُخرى مَنْويّةٍ دلّ عليها هذا الظاهر. والتقديرُ: سرتُ يومَ الجمعة. ولو أُظهر لكان عربيًّا جيّدًا، وحذفه حسنٌ لِما في اللفظ من الدليل عليه، وصار بمنزلة قولك: "من عندك؟ " فإن شئتَ قلت: "زيدٌ"، ولم تأتِ بالخبر لدليلِ ما في السُّؤال عليه، وإن شئت أتيت به، وقلت: "زيدٌ عندي". فكذلك ها هنا، ومن ذلك قولُهم في المَثَل السائر: "أسائرَ اليومِ وقد زال الظُهُرْ".


(١) البقرة: ٢٥١.
(٢) تقدم بالرقم ٢٣٧.
(٣) ورد المثل في جمهرة الأمثال ١/ ٩٦؛ وكتاب الأمثال ص ٢٤٥؛ ولسان العرب ٤/ ٣٩١ (سير)؛ ومجمع الأمثال ١/ ٣٣٥؛ والمستقصى ١/ ١٥٣.
يُضرب لطالب أمر قد فات، أو للحاجة يُئِس منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>